بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 حزيران 2023 12:00ص نظام لبنان تنافسي أكثري لا توافقي

حجم الخط
إنّ النظام السياسي في لبنان هو نظام تنافسي أكثري، فيما التوافقية هي بدعة مخالفة للديمقراطية. ونحن في أكثر من مناسبة أكّدنا أن نظامنا السّياسي ديمقراطي أكثري، فمن يمثّل الأكثرية من حقه أن يحكم لوحده، فيما الوظيفة الطبيعية للأقلية النيابية هي المعارضة. كما أنّ هذا الوضع من المفترض أن يستمر حتى تأتي الانتخابات النيابية القادمة، فإذا فازت المعارضة تتحوّل الأقلية إلى أكثرية وتحلّ محل الفريق الحاكم الذي ينتقل بدوره إلى مقاعد المعارضة. والنظام الأكثري واضح في العديد من النصوص الدستورية، التي تكرّس حق اللجوء إلى التصويت بالأكثرية عند الاختلاف في الرأي في كل من مجلسي النواب والوزراء، وكذلك انتخاب رئيس الجمهورية وفق قاعدة تنافسية في مجلس النواب. فالدستور اللبناني أكثري بالمعنى البسيط للكلمة، لا سيما لجهة إقراره بعد اتفاق الطائف لإصلاحات وطنية يكرهها البعض، كتأليف الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وانتخاب المجالس النيابية المتعاقبة على أساس وطني لا طائفي، وبالتالي فلا علاقة لدستورنا بالديمقراطية التوافقية التي تَشلّ المؤسسات الدستورية من خلال تعطيل النصاب في مجلس النواب ومجلس الوزراء، ومنح الأقلية الثلث «المعطّل» في مقاعد الحكومة، التي هي بحقّ سيف مسلّط لتعطيل السلطة التنفيذية ومقرّراتها.
وكانت بريطانيا السبّاقة إلى بلورة نظام برلماني تقترن ديمقراطيته بديمقراطية الأكثرية، وبالتنافس بين حزبين رئيسيين واعتماد الدائرة الفردية في الانتخابات النيابية، وذهاب المقعد النيابي لمن يفوز بالعدد الأكبر من أصوات المقترعين. كما لقّبت الديمقراطية البريطانية بديمقراطية وستمنستر، نسبةً إلى قصر وستمنستر، مقر البرلمان البريطاني، ويتضمّن نظام بريطانيا السياسي المواصفات التالية: نمو السلطة التنفيذية ونمو سلطة مجلس النواب على حساب مجلس اللوردات، وقيام الدولة المركزية واعتبار البرلمان صاحب السّيادة. كذلك فإن ديمقراطية لبنان شبيهة بديمقراطية بريطانيا، ولا علاقة لها لا بالائتلاف الكبير ولا بالاستقلال الفئوي الذاتي والفيدرالية، لا الفيدرالية العشوائية ولا الفئوية ولا الشخصية، ولا علاقة لها أيضاً بالفيتو المتبادل. ولذلك نصّت الفقرة «ج» من مقدّمة الدستور اللبناني أنّ لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرّية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية و«المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل». وبالتالي فإنّ هذه المساواة تعتبر أنّ الشعب الموجود ضمن حدود دولة وطنية، هو مصدر السلطات، وبالتالي، تحدِّد الانتخابات رغبة الأغلبية الشعبية في كيفية إدارة مؤسسات الدولة، أي أنّ التنافس يدور حول برنامجين مختلفين، أو أكثر، لتطوير المجتمع اللبناني.
والملاحظ بأنّ الدستور اللبناني لم ينص على نصاب الثلثين لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، بل نصت المادة 49 منه في فقرتها الثانية على ما يلي: «ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي...»، ومن الواضح أن هذه المادة لم تشر إلى النصاب المطلوب لكي تكون الجلسة قانونية، ولكنها حددت الأغلبية الواجبة للفوز بمنصب الرئاسة؛ ومعنى ذلك أيضاً أن المشرّع اكتفى بنصاب الجلسات العادية لانتخاب الرئيس. فلأننا في نظام أكثري تنافسي، يجب العودة إلى أحكام المادة 34 من الدستور، التي تنص على ما يلي: «لا يكون الاجتماع قانونياً ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلفونه...»، كما يجب العودة أيضاً إلى أحكام المادة 63 من النظام الداخلي لمجلس النواب التي اشترطت ألا تفتح جلسة في المجلس إلا بحضور الأغلبية من عدد أعضائه وألا يتم التصويت إلا عند توافر النصاب في قاعة الاجتماع. وقد تبنّى هذا الرأي الرئيس صبري حمادة عندما أعلن عام 1970 أنه سيدعو إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية ويعتبر النصاب مؤمّن بمجرد حضور الأكثرية المطلقة من النواب، على ألا يعتبر فائزاً إلّا من نال الأكثرية المطلقة في دورة الاقتراع الثانية.
من ناحية أخرى، فوفقاً لأحكام المادة 61 من النظام الداخلي لمجلس النواب لا يجوز للنائب التغيّب عن أكثر من جلستين في أية دورة من دورات المجلس العادية والاستثنائية إلّا بعذر مشروع مسبق يسجل في قلم المجلس. وكذلك وفقاً لأحكام المادة 62 من النظام الداخلي أيضاً، ففي حال اضطرار النائب للتغيّب بغير مهمة رسمية وبصورة مستمرة عن أكثر من جلسة واحدة، عليه أن يقدم طلباً إلى قلم المجلس، يبيّن فيه أسباب التغيّب، ويعرض هذا الطلب على المجلس لأخذ العلم في أول جلسة يعقدها. حيث يُستفاد من هاتين المادتين أن المشرّع لم يُجز التغيّب عن الجلسات النيابية بغير عذر، أي أنه حظّره بشكل مطلق، بالتالي، يكون محظوراً على النواب أيضاً وبالقياس على هاتين المادتين السابق ذكرهما، الخروج من جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، لأن روحية نصهما، تحث النواب على القيام بمهامهم، التي تتعطّل إذا حضروا البرلمان ولم يدخلوا جلساته.
ولكنّ المشكلة الكبرى أنّ الممارسات السياسية ذات المنحى الطائفي والمذهبي، لم تكن منسجمة مع روحية الدستور، فضلاً عن عدم انسجامها مع روحية اتفاق الطائف وضرورة إقرار إصلاحاته الهامة، للتأكيد أنّ لبنان رسمياً هو دولة ذات نظام ديمقراطي أكثري، دولة وطنية عصرية لا طائفية، قادرة على النهوض بالبلد وتحويله فعلاً لا قولاً إلى سويسرا الشرق.