بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 تشرين الأول 2023 12:01ص هوامش حول نعمة التبصّر وجنون العظمة

حجم الخط
إختلط الحابل الغزَّاوي الحمساوي بالنابل اللبناني الرئاسي فما عاد التركيز الإقليمي والدولي على المعضلة اللبنانية بذات الأهمية على الحالة الإسرائيلية التي أحدثتها المباغتة الحمساوية في لحظة من الزمن أصيب فيها أهل السُلطة في إسرائيل بما يشبه السكتة الدماغية لبعض الوقت أو سكتة عمى البصيرة، إغتنمتْها فرصة البصير الفلسطيني الحمساوي فأحدث بدءاً من يوم الأحد 7 أكتوبر 2023 أم الصدمات غير المسبوقة لإسرائيل في ثلاثة أرباع قرن زمن إغتصابها فلسطين بتخريجة بريطانية (وعد بلفور 1917).
 وبعدما كان إنشغال البال اللبناني ينحصر في مسألة ملء الرئاسة الأولى الشاغرة وجعْل الموقت للحكومة مجرد حالة إضطرارية من مصلحة الجميع ألاَّ تتكرر وأما إذا حدث موجب للأخذ بها لا يطول البقاء إلى درجة أنها تصبح حالة أمر واقع، إذا بجولات التحدي الحمساوي ﻟ «إسرائيل نتنياهو» تبدأ والرد على التحدي الشجاع بضربات كتلك التي تتواصل دون أي موجب لمصلحة الوطن والشعب بين جنراليْن خرجا على أهل السودان كمنقذيْن لهم من نظام أفقد الوطن خاصرته الجنوبية وأتاح المجال أمام تبعثّر السودان ولاية تلو أُخرى وإنفرد بأحادية حزبية إخوانية المشارب والتنظير تستأثر بالمقادير فيما شجرة التنوع والشغف بالممارسة الديمقراطية والموزاييك الحزبي ما زالت نشيطة على الإثمار، ثم بعد نزوعهما التطبيعي مع إسرائيل يختار الجنرالان الإنفصال حرباً ما زالا يواصلان خوض غمارها ممعنين إيذاء الشعب السوداني تدميراً ونزوحاً وإزهاق أرواح وتعطيل مستشفيات وبذر شقاقات على أنواعها، وكأنما هذا الفعل المبغوض هو توأم الذي يتواصل حدوثاً في غزة بقرار من نتنياهو وكواسر في حكومته وبتنفيذ جيشه المجروح من خيبة أصابتهما بتوظيف الآلة العسكرية المقدمة كهبات من الإدارات الأميركية المتعاقبة وكهدايا نفاقية من دول أوروبية تتكاذب تصريحات ومواقف في ما يتعلق بحقوق الإنسان وبحيث أن صاحب الحق وهو هنا الطرف الفلسطيني يصبح المدان والمعتدي وتكون المعتدية تاريخياً منذ العام 1948 هي المعتدى عليها. لكم يتمنى المرء للجنراليْن المُتجوِّل منهما في بعض الديار العربية والأفريقية دون أي جنيْ يعزز أمره، وذلك الصامد في ربوع الوطن المغلوب على أمره، حالة تيقُّظ مما إقترفاه وما زالا يواصلان فيه. والتمني موصول لكل من فلاديمير روسيا وفلاديميير أوكرانيا اللذين إصطفا إلى يمين «برهان» السودان و«حميدته» ويستقبل الأربعة الذين حازوا ميدالية التفوق سياسياً وعناداً وقيادة حرب عبثية أفرزت من التدمير ومن الترويع أعلى درجاته ومن القتل الذي لا يفرِّق ويشمل حتى الأطفال وإستهداف المستشفيات ومخازن الأدوية وتعطيل محطات المياه والكهرباء، منذ أسبوع ثالث المجلين (نتنياهو) في إعتماد الأسلوب نفسه لجهة التدمير والتهجير من حي إلى أحياء أقل مخاطر تمهيداً لمخطط تهجير خارج الأرض يعتقد أن ذلك يشفي جراح أم الصدمات التي أمعنت وخزاً في كبريائه وأسطورية جيشه وقطعت الطريق على حلم تتويجه ثالث بناة الكيان، مفترضاً أن القادة العرب الذين أثبتوا للعالم بجناحيْه الغربي والشرقي أنهم مع التسوية المتوازنة التي يتقاسم فيها اليهود والفلسطينيون مسلمين ومسيحيين نعيم العيش في دولتيْن متسالمتيْن متعاونتيْن، إنما عبَّروا منذ طرْح مبادرة السلام العربية عن رؤاهم الواعية خشية من قدرات الكيان المغتصب ونوويته وإعتباره الولاية المشرقية قلباَ وقالباً للولايات المتحدة، وليس لأن قيادات شابة وضعتْها المقادير في خضم مسؤولية القيادة التي ترى أن التنمية هي السلاح الأمضى وأن تركيز خططها ورؤاها إلى حين التنفيذ يتطلب بذْل كل الجهود والمرونة في الخيارات ما دامت على مسار الصيغة الثابتة في الموضوع الفلسطيني، أي مبادرة السلام العربية، ودون تضييع الوقت في تفسير مضامينها وإيجابية الأخذ بها. وعندما تضع أطراف الأخذ بما نشير إليه حدوداً على طريق تنشيط الصيغة بالتطبيع المتدرج سقفاً لا مجال لإختراقه وإحدى تحفظات هذا السقف عدم الترحيب برغبة رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو زيارة دولة خليجية فاعلة (الإمارات) قبل أن تتساوى النظرة الإسرائيلية مع النظرة العربية التطبيعية، فهذا أمر من شأن تأثير المفاجأة الحمساوية أن يأخذ به من سيلي نتنياهو في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، بإعتبار أن الرجل أخفق ولن يبرئ جراح مكانته والخدوش التي أصابت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية هذا الموقف غير المحترم لفقدان الموضوعية فضلاً عن هاجس تجديد الرئاسة، ومن جانب رئيس الحكومة البريطانية ريتشي سوناك المتناسي وزر الأوزار من جانب عهد بريطاني سابق ويتمثل ﺑ «وعد بلفور» ووزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الذي كادت عيناه تدمعان على إسرائيله والذي ساد الإنطباع بأنه في الجولة التي قام بها كان مأمولاً عربياً وأخلاقياً منه أن يرمي النار المشتعلة بما يخفف إشتعالها لا أن يقول من الكلام ما يجعل البغضاء للدور الأميركي تزداد ثباتاً في النفوس العربية.. ويا ليته كوزير للخارجية الأميركية وبما يمثله لبلده وللحليفة إسرائيل يتأمل في أهمية نعمة التبصر ونوائب جنون العظمة.
ولعل خير ختام لهذه الهوامش وبما يؤكد عوائد تلك النعمة ومفاعيل جنون العظمة العودة إلى أرشيف الأوائل الذين أسسوا الولايات المتحدة التي كانت بريطانيا العظمى فعلت بها طوال زمن سبق حرب الإستقلال، ما تفعله إسرائيل وبإرادات الأميركي - الأوروبي - الروسي في الدرجة الأساس وتحت سمعه وبصره وإستنفار لبعض أسطوله ليكون جاهزاً عند الطلب، بفلسطين وطناً وشعباً وحقاً وأقصى وكنيسة قيامة وقطاعاً يُجرَّع كأس المهانة والإذلال وإلى درجة بات من الطبيعي أن ينتفض شجعانه ويسجلون في المشهد العربي - الدولي ما سبق أن قاله الملك عبدالعزيز طيَّب الله ثراه في مذكرة بعث بها إلى  الرئيس الأميركي الثاني والثلاثين فرانكلين روزفلت ( من 1933 إلى 1945) في السنة الأخيرة من ولايته الرئاسية وتحمل إلى جانب توقيعه تاريخ 26 ربيع الأول 1364 ه الموافق 15 مارس 1945 م. وفي تلك المذكرة التي سبق إرسالها بداية عهد الرئيس هاري ترومان (العهد الذهبي الأميركي للكيان الصهيوني الذي على أهبة النشوء وتكريس الإعتراف السوفياتي قبل الأميركي به) قال الملك المؤسس مخاطباً الرئيس فرانكلين روزفلت وكانت نشأت بينهما صداقة تمثلت بدايتها بلقاء الزعيميْن يوم 15 فبراير/شباط 1945 على متن طرَّاد في البحيرات المرة (قناة السويس) أي قبل أن تنتهي ولاية روزفلت الرئاسية «إن تكوين دولة يهودية في فلسطين سيكون ضربة قاضية على كيان العرب. إن مساعدة الصهيونية في فلسطين لا تعني خطراً يهدد فلسطين وحدها، إنه خطر يهدد سائر البلاد العربية. إذا نفذ صبر العرب يوماً من الأيام ويئسوا من مستقبلهم فإنهم يضطرون للدفاع عن أنفسهم وعن أجيالهم المقبلة إزاء هذا العدوان. أعطوا اليهود وأحفادهم من بيوت الألمان الذين إضطهدوهم...».
وإذا جاز لكاتب مثل حالي الإستنتاج فإن الموقف السعودي راهناً وبما يعكسه الحفيد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الرمز المضيء الذي يبشّر بالتقدّم والتنمية عوض الغوص في متاهات الحروب هو من حيث روحيته إقتباس أمين لروحية الجد المؤسس طيَّب الله ثراه وروحية ومشاعر ومواقف ولي الأمر الملك سلمان حفظه الله على مدى عقود. حفظ الله أصحاب النوايا الطيبة والمواجهات الجسورة.
... ولهذه الهوامش بقية كلام عن حاضر مرتبط بالماضي ومتطلع إلى ما هو آتٍ.