بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 تموز 2023 12:00ص ... ولماذا لا تكون إعادة مقايضة؟

حجم الخط
يتساءل المتأمل مثل حالنا الذين ضاقت صدورهم بممارسة الذين لا يؤدون الواجب تجاه الدولة من نواب ورؤساء أحزاب متنوعة المشارب والولاءات: لماذا لا تكون هنالك إعادة مقايضة للأزمة المستعصية في شأن إختيار مَن يملأ كرسي رئاسة الجمهورية وعلى نحو صيغة تعتمدها الجيوش، وهي إعادة الإنتشار عندما يُستعصى أمر حسْم معركة وبذلك لا يظهر الجانب الذي اعتمد الصيغة تلك بأنه ضعيف وغير قادر على الحسم. ومثل هذه الصيغة نلحظها في الحرب الروسية - الأوكرانية والحرب اليمنية - اليمنية وواردة الحدوث في حرب جنراليْ السودان المغلوب على أمر شعبه عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي).
ما نقصده بصيغة إعادة مقايضة هو أن يأخذ «حزب الله» أفعل طرف قابض على الإرادة الواقعية للدولة اللبنانية، في الإعتبار أن ما يرومه رئيساً جديداً مارونياً بنكهة كتلك التي إتسم بها بشكل صارخ الرئيس الجنرال ميشال عون، أمر غير ممكن التكرار وذلك لأنه غير مستحب من جانب أكثرية طائفة الرئيس التي إستيقظت فيها متأخرة مشاعر الطرف المستباح حقه بموجب المعادلة التي على رغم عدم إستقرارها تبقى من الحقوق التي لا جدال في أمر التمسّك بها. والدليل على إستحالة ما نشير إليه أن حسْم مسألة مَن الذي يترأس ما زال على إستعصاء لا مثيل له في المجتمعات السياسية في معظم الدول الجمهورية.
إزاء ذلك وضمن صيغة إعادة المقايضة في حال الأخذ بها فإن التوافق على أن تكون الحكومة وبالذات في شخص مَن يترأسها موضع إطمئنان «حزب الله» وسوريا البشَّارية وبنسبة الطمأنينة التي حظي بها الطرفان على مدى أربعة رؤساء جمهورية: مدني واحد (إلياس الهراوي) وثلاثة جنرالات (إميل لحود، ميشال سليمان، ميشال عون). وبالمقابل يختار فرسان الساحة المارونية بعدما باتوا بنسبة ثمانين في المئة متفهمين أن الحقوق تستعاد بوفاقهم وبالذات بالنسبة إلى الرئاسة الأُولى، الفارس الذي يرتاح له حليفهم السنّي، والقادر على الصولات والجولات في الميدان  اللبناني وبما تؤكد فروسيته هذه أن التخاطب على ما كان عليه يثمر إلتفافاً شعبياً إلى حين فيما الوطن بأمس الحاجة إلى إستقامة العملية السياسية وتأمين دائم للإحتياجات المعيشية وقبل أن تأخذ المكاره مداها في المجتمع وتصل الدولة إلى وضع يتجاوز بكثير الإضطرار إلى تقليص وظائف في الإدارات الأساسية ومنها على سبيل المثال لا الحصر وزارة الخارجية. وما هو آتٍ ربما أعظم.. ناهيكم بالكهرباء والانترنت.
وسواء إرتأى فرسان الساحة السياسية المتوزعين على أحزاب تفتقد إلى العقيدة الموضوعية، أن يصار إلى أن يكون جهاد أزعور الذي إختاروه مرشحاً لهم لرئاسة الجمهورية هو، ومن باب حفظ المقام، رئيساً للبنك المركزي يحل محل رياض سلامة الذي يودِّع المنصب إلى الإستراحة المطْمئنة أو إلى القضاء المجازي.. الله أعلم، وبذلك تذوي سمعة الثلاثة عقود التي أمضاها رئيساً للبنك حارساً لعملته غاضاً النظر عمداً وليس سهواً عن أرقام عمليات حيتان من كل صنف سياسي وحزبي وتحزبي... سواء إرتأى أولئك الفرسان ذلك فإن في شخص جهاد أزعور من الخبرة الاقتصادية والكفاءة العلمية والسمعة التي لم تتأثر بالأرقام من عوائد منصبه الأممي، ما يجعله الشخص المؤهل والمناسب ليس فقط لإدارة البنك المركزي وإنما لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لعملة باتت لا تحظى بالتهيب من حامليها مقارنة بمهابة الدولار الذي باتت حتى ربطة الفجل يتم تسعيرها بسنتاته. لا حول ولا قوة إلاَّ بالله.
وبالعودة إلى صيغة المقايضة يبدو إسناد رئاسة الحكومة إلى النائب فيصل كرامي من المستحسَنات المرضِيات ﻟ «حزب الله» فهو من رموز العمل السياسي في الطائفة السُنية الذي تربطه علاقة ﺒ«حزب الله» وسوريا البشارية قريبة الشبه بعلاقة سليمان فرنجية بالحزب وسوريا. ومع أن الجانب العقائدي هامشي بعض الشيء في هذه العلاقة، إلاّ أن ما جمع الجنرال المسيحي الماروني ميشال عون بالزعيم الشيعي الديني - سياسي السيد حسن نصرالله هو ما يجمع حفيد الزعيم السُّني (الراحل) عبدالحميد كرامي بالسيد وحزبه كلاهما الهدف واحد. نال الجنرال عون ما تمناه وبات رئيساً للجمهورية طاوياً إلى درجة المحو كل ما قاله سابقاً عن الحليف السوري المستجد. كذلك فيصل كرامي من أجل أن ينال المبتغى رئيساً للحكومة وبذلك يواصل الحفيد من حيث بدأ الجد عبدالحميد (مرة واحدة عام 1945) العم رشيد (8 مرات الأولى عام 1955) الوالد عمر (مرتان الأولى عام 1990).
وبترئيس فيصل كرامي القريب الشبه بترئيس تمام صائب سلام وترئيس تقي الدين الصلح ليكون الصلحي الثاني والأخير بعد الرئيس رياض (رحمة الله على الإثنيْن) لا تطمئن فقط نفس السيد حسن وبالتالي نفس الرئيس بشَّار وإستطراداً نفس الزعيم الشيعي الثاني الرئيس نبيه بري، وإنما يتاح ﻟ«حزب الله» أن يتمنى على (الرئيس فيصل كرامي) تعيين حليف الجانبيْن (سليمان فرنجية) وزيراً للدفاع وبذلك يتناغم هنا الإختيار الذي هو تعويض عن إستحالة ترئيس فرنجية للجمهورية، مع إختيار مَن كان البادئ بالترشح ميشال معوض وزيراً للخارجية في حكومة يترأسها صديقه اللدود فيصل كرامي. وللتذكير فإن علاقة العم (الراحل) رشيد كرامي بالرئيس (الراحل) رينيه معوض كانت دائماً ودية وكثيرة الرقي.
قد تبدو هذه الإحتمالات بعيدة وشائكة، هذا في حال أن ما أُخذ بالقوة يستعاد بالقوة في نظر الطيف الذي يروم كسراً ﻟ«حزب الله» وهذا يعني أننا أمام جدار من الإرادات الصلبة التي تُبقي لبنان عرضة لحالات مستعصية العلاج. كما تصبح الإحتمالات قريبة وغير شائكة في حال أخذ الثلث اللبناني المستحوذ حتى إشعار آخر، أي الثنائي الشيعي بقطبيْه المقاوم «حزب الله» والحليف الثابت «حركة أمل»، بصيغة إعادة المقايضة مقرونة بخطوة يتطلع الإستقرار إلى إعتمادها كفرصة يستعيد من خلالها لبنان الوطن والشعب الطمأنينة ولا يتحفظ عليها أصدقاء لبنان الدوليين والأشقاء العرب ذلك أن مهابة إتفاق الطائف هنا محفوظة، وبالذات في إسناد وزارات المال والإقتصاد والداخلية إلى شخصيات سُنية تتفهم ولا بد صيغة إعادة المقايضة. ويرى هؤلاء بمَن فيهم معنوياً المفتي دريان أن الرئيس نجيب ميقاتي والذين سبقوه في الترؤس ليسوا أكثر حرصاً من فيصل كرامي. وهذه الخطوة تتمثل في تعليق ثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة» بحيث تكون على مدى السنوات العشر الآتية مستبدَلة ﺒ«تنمية لبنان. دعم قدراته. تصحيح مساراته المتعثرة». وأما جيش الدولة فكفيل بعد دعم قدراته وبالذات في ضوء إفاضة الثروة من النفط والغاز على صناديق الدولة، بأداء الواجب على أكمل وجه. ولنتأمل ملياً في ما تفعله «قوات الدعم السريع» في السودان داعين الله أن لا تتحول صيغة الجيش الرسمي و»الجيش الحزبي» إلى ما لا يتمنى المرء حدوثه في لبنان، كما في السودان. وفي حال التوافق على الجنرال جوزف عون رئيساً للجمهورية وفق صيغة إعادة المقايضة، وهذا أمر محتمَل الحدوث هو الآخر، فإن لبنان المبتلى بالصراعات سينتقل نحو الأفضل. لعل أُولي تعقيد الأمور يتأملون في قول الرسول (صلَّى الله عليه وسلَّم): «يسِّروا ولا تعسِّروا.. وبشِّروا ولا تُنفِّروا».