بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 تشرين الثاني 2018 12:10ص «لغم أرضي» إنفجر بصمت بين «ندى أبوفرحات» و«عمار شلق» المرأة والرجل مع مواقف حقيقية وشفافة في الحياة وبعد الموت ..

حجم الخط
موسم الخريف عندنا،موعد سنوي مع نشاط مسرحي نوعي يُضفي على الحال الفنية العامة بركة خاصة تلوّن الأجواء بما يجذب ويحفّز على الذهاب إلى المسارح والمتابعة بإهتمام.
الممثلة الجادة جداً في خياراتها «ندى أبو فرحات» بإدارة زوجها «إيلي كمال» الذي نتعرف على نتاجه مخرجاً وكاتباً لأول مرة مع مسرحية «لغم أرضي» مع ركن ثالث فيها الممثل الذي يمتلك كاريسما مسرحية خاصة «عمار شلق». هذا الثلاثي أمتعنا ليلة الجمعة في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، عندما واكبنا حفل الإفتتاح وكنا في سعادة غامرة لما حمله هذا العمل من حضور مميز لممثليْن رائعين، توفر لهما نص عميق مباشر معبّر، شدّ إليه الإنتباه لما يحتويه من خصوصية في الصياغة والسرد، مع حضور أثيري أقرب إلى الظل الهادىء للمخرج الذي بدا محباً للبساطة والصدق فوصلت رسائله من دون جهد إضافي.
إستقطبت المسرحية إهتمام الحضور الذين ملأوا صالة «مسرح المدينة» عن آخرها مع معرفة كاملة بـ «إتيكيت» المشاهدة التي تحدد متى يُصفقون ومتى يُصغون أو يتأملون وهم في منتهى الإنسجام مع ما يشاهدونه من أجواء أسبغت على الصالة هالة من التشجيع والإحترام، فالحوارات جديدة التراكيب وتتسم بالإختصار الشديد وإذا كان من ضرورة للشرح لا بد أن يتواكب المونولوغ مع مشهدية حركية على المسرح منعاً لحصول أي تطويل في عملية توصيل الأفكار وهي أكثر من كثيرة طالما هي بين أهم مخلوقين: المرأة والرجل، موضوع المسرحية التي نعتبرها أشبه بأوراق الإعتماد التي يقدّمها السفراء الأجانب لرؤساء الدول.
الحوار بين الجنسين يستحيل حصره بموضوع أو وقت أو زمان أو مكان، إنه هو نفسه من يقرّر الحدود، ولا تشابه على الإطلاق بين أي ثنائي وآخر، لذا لا قاعدة معتمدة في هذا الإطار، وهو تماماً ما سجّلناه بين بطلي المسرحية الوحيدين، وهما ببساطة لم يحتاجا لثالث، لقد إختصرا السياق بكامله، سلباً وإيجاباً، تحدثا في الحب وعنه، تبادلا كل أنواع الإتهامات من الخيانة إلى قلة الوفاء إلى الرغبة في الإنعتاق، إلى الإندفاع في عملية قضاء واحدهما على الآخر، لكن الأمور إما أن تُعيدها المرأة بطبيعتها المرنة والمحتاجة للرجل الذي يبقى كائناً مقبولاً يُعوضها عن «ظل الحيطة» بمعنى أفضل من وحدتها ثم عنوستها من دون شريك، وإما أن يتعب كلاهما ويستسلما.
المسرحية تتدخل في كل صغيرة وكبيرة من علاقة الطرفين، حتى إنتقاده على سلوكه داخل التواليت حين تدخله من بعده، لم يُبق الحوار جانباً إلاّ وطاله، يتناقشان فيه، ويخرجان منه إلى مجموعة أخرى من المسائل التي تقض مضجعيهما، يتناقشان، يصرخان ثم يهدآن، وصولاً إلى الطراوة التي تعتمدها هي بهدف التقرب منه عندما لا تنفع الوسائل الصدامية في تحقيق أي هدف ذي منفعة. المقعد الخشبي المزدوج هو وسيلتهما للتواصل فوقه، أو قريباً منه بإتجاه «اللغم الأرضي» الذي شكّل فزّاعة على مدى العرض، ومع ذلك لم يحصل أي إنفجار، اللهم إلاّ إذا إعتبرنا أن المواجهة بين الطرفين وإرتفاع حدّتها من وقت لآخر تسمّى إنفجاراً صامتاً، أي مع كاتم للصوت وهو ما يُعتبر مستحيلاً مع القذائف المدفعية عموماً. لقد تواجها بقسوة ثم إستعادا رباطة جأشهما وكانا على الدوام في حال تنافس فني بروح رياضية عادة ما تسود المنافسة بين ممثلين كبيرين كـ «ندى» و»عمار» يخدمهما في ذلك حوار دسم على منهج مختلف عن الكثير مما واكبناه قبلاً بما يؤكد أن «لغم أرضي» مسرحية مختلفة جميلة صادقة وتستحق المباركة والتصفيق.