تُناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء ويُشارك كل وزير من خلال هذا المجلس في وضع السياسة العامة للدولة وفي السهر على تنفيذ القوانين والأنظمة والإشراف على أعمال كل أجهزة الدولة. وكنتيجة مباشرة ولازمة لهذه الصلاحيات يترتّب على الوزراء أن يتحمّلوا إجمالياً تجاه البرلمان تَبِعة سياسة الحكومة العامة وإفرادياً تَبِعة أفعالها الشخصية ( المادتان 65 و66 من الدستور).
• ما هو مفهوم التوقيع الوزاري؟
نصّت المادّة 54 من الدستور على أن مقرّرات رئيس الجمهورية يجب أن يشترك معه في التوقيع عليها رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصّون...».
في المبدأ إن توقيع الوزير المختص على مقرّرات رئيس الجمهورية تعني أنه وافق على مضمونها والتزم بتطبيقها وينتج عن هذا التوقيع أن الوزير يتحمّل مسؤوليته عن هذه القرارات أمام البرلمان بالنسبة لشرعيتها القانونيّة وملاءمتها، مقابل عدم مسؤولية رئيس الجمهورية المتعارف عليها في الأنظمة البرلمانية، « فلا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته...» وفقاً للمادة 60 من الدستور.
وكان مجلس الشورى الفرنسي قد أعلن في العام 1947 و 1948 أن توقيع الوزير المختص يندرج في إطار ضمان الترابط بين الأعمال الحكوميّة. في حين أعلن مجلس شورى الدولة اللبناني في العام 1977 «أن توقيع الوزير المختص المرسوم هي الطريقة الدستورية التي بموجبها يتولّى الوزير وفق أحكام المادة 64 من الدستور (أضحت حالياً المادة 66 بموجب دستور 1990 بعد الطائف) إدارة مصالح الدولة وتطبيق الأنظمة والقوانين فيما يتعلّق بالأمور العائدة إلى إدارته بما خصّ به...». ولم يستطع الفقيه الدستوري الفرنسي Hauriou أن يفصل بين رئيس الجمهورية والوزراء إذ اعتبر أن رئيس الدولة ليس رئيس الجمهورية وحده بل هو الرئيس المكتمل والموافِق بتوقيع وزرائه.
Le chef de l`Etat, ce n`est pas le président de la République seul, c`est le président complété et pourrait – on dire, contresigné pas ses ministres.
ونشير أيضاً إلى أن تاريخ نشوء التوقيع الوزاري يعود إلى زمن الثورة الفرنسية عندما أُقرّ قانون 25/5/1791 الذي منع تنفيذ أي أمر للملك لم يشترك في التوقيع عليه الوزير المختص. وكانت الغاية من ذلك، الحجّة القائلة بأن تدخّل الوزير المختص يشكّل ضمانة لعدم تجاوز الملك سلطته، لكن هذه الحجّة قد سقطت بعد نشوء النظام الجمهوري البرلماني الذي أقرّ بأهمية ممارسة مجلس الوزراء بأغلبية معينة سلطة اتخاذ القرار ممّا أدَّى إلى تحمّل الوزراء إجمالياً تجاه البرلمان تَبِعة سياسة الحكومة العامة وإفرادياً تَبِعة أفعالهم الشخصية.
- من هو الوزير المختص؟
أكّد الفقيه القانوني الفرنسي Moreau وجوب توقيع الوزراء المعنيين في حال تعلّقت بوزارات عديدة. أمّا Hauriou فاعتبر أنه لا يمكن للوزراء كافة توقيع أعمال رئيس الجمهورية كلّها وإنه يجدر بالوزير توقيع الأعمال الإدارية المتعلقة بوزارته فقط.
ولقد أيّد الاجتهاد الفرنسي ذلك معتبراً أن الوزير المختص هو الذي تدخُلُ في نطاق اختصاصه المسائل الواردة في المرسوم.
كما استقر الاجتهاد الإداري الفرنسي على مبدأ إلزامية توقيع وزير المالية على المراسيم التي تتضمّن نفقات مالية والمتعلقة بالمالية العامة، أما الحقوقي الفرنسي البارز Jèze فاعتبر العمل الصادر عن رئيس الجمهورية باطلاً في حال لم يوقّعه الوزير المختص مدرجاً هذه المخالفة في خانة العيب في الصلاحية، في حين اعتبرها مجلس شورى الدولة الفرنسي من الانتظام العام والتي تؤدي إلى بطلان هذا العمل الإداري.
ولم يكن الاجتهاد الإداري اللبناني أقلّ صرامة من الاجتهاد الفرنسي إذ اعتبر في القرار رقم 4 تاريخ 19/1/1977 التوقيع الوزاري « من المقوّمات الجوهرية لتكوين المرسوم وإن خلوّ مرسوم ما من توقيع الوزير المختص يجعله عملاً إدارياً باطلاً».
ونذكر أيضاً أنه على افتراض صدور مرسوم عن رئيس الجمهورية من دون توقيع الوزير المختص فإنه لا يحق للوزير تغطية هذا العيب واستدراكه بموافقة لاحقة. C.E.F. 31/12/1976.
• إن السؤال الواجب طرحه هنا هو ماذا لو تمنّع أو تخلّف أي وزير أو تحديداً وزير المالية عن توقيع مرسوم ما أو أي عمل من أعمال رئيس الجمهورية؟
من الواضح والمؤكد أن تمنّع الوزير المختص أو وزير المالية عن توقيع مقرّرات رئيس الجمهورية يشكّل مخالفة للمادة 54 من الدستور التي أوجبت على الوزراء المختصين وضمناً وزير المالية توقيعها.
كما يشكّل هذا التمنّع ليس فقط مخالفة لقرارات مجلس الوزراء الذي أناط به الدستور (المادة 65) السلطة الإجرائية بل أيضاً تحدياً له.
إضافة الى ذلك فإن امتناع الوزير المختص أو وزير المالية عن توقيع مقرّرات رئيس الجمهورية يُعدُّ خرقاً للمادة 66 من الدستور بمعنى أنه أعاق عملية إدارة مصالح الدولة وتطبيق الأنظمة والقوانين وهي مهام الوزراء التي نصّت عليها هذا المادة.
• ما هو الجزاء المترتّب على تمنّع الوزير المختص أو وزير المالية عن توقيع قرارات رئيس الجمهورية أو قرارات مجلس الوزراء المتخّذة طبقاً للأصول الدستورية؟
الجزاء الأول:
حيث أن الوزراء وفقاً للمادة 66 يتحمّلون إجمالياً تجاه مجلس النواب تبعة سياسة الحكومة العامة ويتحمّلون إفرادياً تبعة أفعالهم الشخصية فإنه يمكن لمجلس النواب أن ينزع أو يحجب الثقة من الوزير المتمنّع عن توقيع مقررات رئيس الجمهورية والتي يتوجب عليه أن يوقّعها وفقاً للمادة 54. وعلى أن تُحجب الثقة في جلسة نيابية تحضرها الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلفونه وبغالبية الأصوات وفقاً للمادة 37 وعند حجب الثقة يتوجب على الوزير أن يستقيل.
الجزاء الثاني:
يُمكن أن يُقال الوزير المتمنّع عن توقيع المرسوم وذلك بمرسوم يوقعه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بعد موافقة ثلثي أعضاء الحكومة.
الجزاء الثالث:
إن تمنّع الوزير المختص أو وزير المالية عن توقيع المراسيم أو أعمال رئيس الجمهورية يُعد إخلالاً بالواجبات المترتّبة عليه لأنه يكون بذلك قد أعاق عمل السلطة الإجرائية وعرقل إدارة مصالح الدولة وألحق الضرر بمصالح المواطنين. وحيث إن المادة 70 من الدستور قد نصّت على أن يعود لمجلس النواب وبغالبية الثلثين أن يتّهم الوزراء بإخلالهم بالواجبات المترتّبة عليهم فإن محاكمتهم تتمّ أمام المجلس الأعلى الذي يتألف من سبعة نواب وثمانية من أعلى القضاة رتبة كما ورد في المادة 80.
هذه هي الجزاءات التي نصّ عليها الدستور والقوانين ولكن إلى أي مدى هي قابلة للتطبيق في ظل التجاذبات والمصالح السياسية التي طبعت واقعنا السياسي. إن الوقت كفيل بالإجابة على هذا السؤال.
* دكتور في القانون العام