28 آذار 2024 12:00ص مازن عرفة في (الغابة السوداء) الوعي القهري في أدب المنفى

حجم الخط
يُركز الروائي «مازن عرفة» في روايته «الغابة السوداء» على القضايا الجمالية في الأدب الروائي التي وظّفها في فهم تأثير الحروب على الإنسان، وكيفية التنقيب عن نقطة تحوّل الإنسان وتشكّله في الحياة، لو لم يتم شنّ الحروب على الإنسان لبقيَ كالوهم مجرد لوحة تعلق على جدار وطن منكوب تماما، كما هي الحال مع الغابة السوداء التي نمت على الأنقاض لمدن مدمرة، وهو في ذهول من أهوال الحروب في الماضي التي كان يجهلها عندما كان آمناً في داريا، ظنا منه أن داريا مسقط رأسه هي المدينة الوحيدة على الكرة الأرضية التي أصابتها تمزقات الحرب، إذ «كنا في «منفى» وذهبنا إلى منفى جديد. هو في داخلنا، يلاحقنا باستمرار. هي حروب تمزق الأراوح» وهو السوري المنفي الذي يقارن المجتمع الذي يعيش فيه بعد اللجوء أو بعد الولادة الجديدة في وطن لا يشبه وطنه بشيء، وبحرقة ساخرة وأخرى استكشافية تفيد بأن تدمير المدن ليس بالجديد، وما يحدث في سوريا من تدمير في القرى والمدن حدث في مدينتي غرنيكا الإسبانية وبفورتسهايم الألمانية «بسبب ماضيهما المشترك المأساوي» فالروابط القوية بين الإنسان والحروب هي ما تتركه في تمزقات لا يمكن محوها من الذاكرة الحياتية برمّتها، مما يفتح البصيرة على حقائق غالبها يُشكّل نوعا من القتل الإنساني غير الرؤوف عالميا، وليس فقط على صعيد دولة أو وطن أو مدينة ولدنا فيها، وما يحدث في سوريا قد حدث في مدن كثيرة في الماضي، وإلّا ماذا تعني الإلياذة في الأدب؟ وهل «لو قيّض تكويم الدمار في سوريا، لنشأت مئات من «وولبيرج»، كجبال أنقاض، تختزن أصوات جثتها»؟ وما هي التوترات الديناميكية في رواية مازن عرفة هذه التي توغل في صراعات الأنفس قبل صراعات الدول؟ ولماذا الهلوسات الكابوسية في رواية المنفي السوري الذي يكتشف أنه نقطة متحركة في حلزونية كوابيس الحروب المهيمنة على تاريخ المدن برمّتها؟ وهل الإرتداد التخيّلي في هذه الرواية هو حقيقة مرّة لمنفي يبحث عن مدينته داريا المستقبل في بفورتسهايم التي نشأت على الأنقاض؟
يبدو أن أدب المنفى لا يقلّ أهمية عن أدب الحرب والإفتتان بالكوابيس عند «مازن عرفة» وهو عدم تصديق ما يحدث للناس من حوله بعد اللجوء والاستقرار في المنفى، واكتشاف أنهم مجرد عدد لدفع الضرائب، وانهم إن في الحرب أو في المنفى هم كالأموات، إن من منظور التزامن أو غير التزامن بين الحروب في الدول الغربية والدول العربية، إلّا أن كل ذلك هو تفجير لمخزون الألم الناتج عن تمزقات الإنسان في الحروب التي يعيشها في داخله من قبل وطنه أو في المنفى حالياً، وبالتالي هو القابع تحت أنقاض الماضي في «داريا» بمأساوية جعلته يظن أنه لا يسمع سوى أصوات أرواح المتألمين من «داريا» التي ترافقه في داخله عبر المستقبل الذي يراه لها في مدينة المنفى التي يسكنها حاليا. لكنها أيضا أصوات من «وولبيرج تل الأنقاض» على ارتفاع 378 متراً، هو تل اصطناعي، يُخزن ما يقارب مليون وستمائة ألف طن متر مكعب من أنقاض مدينة بفورتسايم المدمرة في الحرب العالمية الثانية. خلال أكثر من سبعين عاما، غطته التربة ونمت فوقه الغابة» متجاوزاً بذلك الأدب الوطني إن صح القول إلى الأدب العالمي الذي يجعل من الحروب نوافذ زمنية يدخل ويخرج منها بحثاً عن داريا مسقط رأسه التي يراها في لوحة لا يمكن الدخول فيها، أو كفورتسهايم التي يتصارع فيها الناس على الأديان والمفاهيم، وحرب المثلية الجنسية التي لا تصدق في الغرب، وكأنه يريد العودة إلى داريا الآن التي ستصبح فيما بعد كالعديد من المدن التي أعيد إنشائها بعد تدمير الحرب العالمية الأولى والثانية، وربما ستكون داريا فورتسهايم أخرى. فهل يرجع مازن عرفة خطوة إلى الوراء خطوة إلى الأمام في الغابة السوداء؟ أم أنه الوعي القهري في أدب المنفى؟