بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 تشرين الأول 2023 12:00ص إنعكاس التداعيات الأليمة في غزة على الصحة النفسية للبنانيين؟

القلق والتوتُّر يضرَّان بالجسم ويؤدِّيان للإصابة بالأمراض النفسية

وباء الخوف والهلع سينعكس على العالم وباء الخوف والهلع سينعكس على العالم
حجم الخط
أعاد التوتر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، مخاوف اللبنانيين ولاسيما سكان المناطق الحدودية والضاحية الجنوبية، ما دفع البعض منهم إلى النزوح خاصة من البلدات التي تعرضت للقصف في الأيام الماضية، فيما يتأهب آخرون لمغادرة مساكنهم في أي لحظة يستدعي فيها الوضع ذلك.
هذا الواقع الأليم،جعل غالبية اللبنانيين يعيشون حالة من الفوضى والتوتر بسبب الضربات التي تتعرض لها غزة خوفا من تعرضهم للقصف من قبل العدو الإسرائيلي .
 وفي مثل هذه المواقف الصعبة التي تواجهنا، قد تكون ردّة الفعل الغريزية الأولى هي الشعور بالهلع والخوف. 
ولا عجب في ذلك، لأن الخوف من المجهول يتنامى، والضياع ما بين الحقيقة والإشاعة في تزايد مستمرّ... 
وهذا الشعور المتزايد بالخوف والقلق المتنامي حيال الأوضاع الحالية يؤدي إلى خلق ما يُسمّى بحالة الهلع الجماعي.
لذلك من الضروري الإهتمام بصحتنا النفسية،ولاسيما أنّ نسب القلق والتوتر الشديدة تضرّ بالجسم و تؤدي للإصابة بالعديد من الأمراض النفسية.

د.معاوية

لتسليط الضوء على هذا الموضوع ومعرفة إنعكاس ما يجري من تداعيات في غزة على الصحة النفسية للبنانيين الذين يعيشون حالة من الترقب والحذر التقت «اللواء» المعالج والمحلل النفسي الدكتور مصطفى معاوية،فكان الحوار الآتي:
نتيجة ما يجري في غزة،يعيش اللبنانيون حالة من الترقب والحذر، خوفا من توجيه ضربة على لبنان، ما انعكاس ذلك على صحتهم النفسية؟

نسبة القلق تزايدت

{ يتابع اللبنانيون عن كثب تطورات الحرب الدائرة في فلسطين، والتصعيد على الحدود اللبنانية، وسط ترقب شديد فيما إن كانت كرة النار المتدحرجة ستحرق بلدهم في ضوء احتمال دخول الحرب، وعواقب ذلك على بلدهم الغارق بأزماته الاقتصادية والاجتماعية. 
فقدعاد مشهد النزوح من جنوب لبنان، نتيجة تعرض عدة بلدات لقصف إسرائيلي مقابل عمليات تسلل وقصف من الجانب اللبناني، لذلك لا بد أن نشير الى أن نسبة القلق تزايدت بشكل ملحوظ بالآونة الاخيرة، وتزايدت الاستشارات النفسية بخصوص القلق والخوف عند اللبنانيين من الحرب.
 والاشكالية هنا تقع أنه سيكون للحرب أيضًا آثار نفسية عميقة على المدنيين !!
 إذ أن الخوف المستمر من الحرب يؤثر على افراد كانوا يعانون سابقاً من اضطرابات بسبب الحروب السابقة (جيل الحرب) مما يعزز ظهور اضطرابات كانوا قد تخطوها سابقاً بالعلاج النفسي والدوائي، وبدوره ايضاً تظهر اضطرابات جديدة لم تكن بالحسبان أن تظهر، لولا التحفيز الخارجي بالخوف الدائم من الحرب والدمار الذي سيخلفه. 
فالخوف الدائم من الحرب يمكن أن يؤدي  إلى قلق وتوتر، كما يمكن أن تؤدي هذه التجارب الى مجموعة متنوعة من المشاكل النفسية،بما في ذلك الصدمة النفسية، إضطرابات ما بعد الصدمة، والقلق والاكتئاب عند أفراد كانوا أسوياء لا يعانون من اي إضطراب أو ضغوط نفسية.

صدمات نفسية عميقة

{ ما أبرز الأمراض النفسية التي قد تصيبهم؟
«من المعروف أن الخوف من حدوث حرب يترك آثارًا نفسية عميقة على الأفراد والمجتمعات بشكل عام. 
وأكثر ما تسببه هذه المخاوف هي الصدمات النفسية العميقة لدى الأفراد، حيث يشعرون بالخوف والقلق والإرتباك المستمر الذي يمكن أن يظهر على شكل إضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، الذي يتميز بالأفكار المتكررة والذكريات المؤلمة للأحداث الحربية.
أيضاً الاكتئاب والقلق من الأمراض التي تظهر عند الأفراد بعد انتهاء التوتر الذي مروا به،وذلك نتيجة للتوتر المستمر والخوف من الأذى الجسدي والعاطفي. 
وتجدرالإشارة، أنه يمكن أن يكون للقلق والاكتئاب عقبات كبيرة في الحياة اليومية والعمل والعلاقات الشخصية.
كذلك،لا بد أن نشير الى أن المخاوف المستمرة في اضطرابات النوم قد تتسبب بالأرق والكوابيس المتكررة، بحيث يصعب على الأفراد الاسترخاء والنوم بسبب القلق والتوتر المستمر.
أيضا انعدام الثقة والعزلة عند الأطفال، يؤديان إلى الخوف والتوتر المستمرين عند الطفل وإلى انعدام الثقة في الآخرين والشعور بالعزلة. ويمكن أن يتطور ذلك إلى انعزال اجتماعي وانقطاع العلاقات الاجتماعية بالمستقبل.
كما هناك الغضب والإدمان، خصوصا عندما يشعر الأفراد الذين عاشوا في مناطق حرب قديماً بالغضب والاستياء الشديدين نتيجة للمعاناة التي تعرضوا لها وسيتعرضون لها ثانيةً. 
وفي بعض الحالات، قد يلجأ الأفراد إلى التدخين أو الكحول أو المخدرات كآلية للتعامل مع الضغوط النفسية.
أيضاً الشعور الدائم بانعدام الأمان والاستقرار، قد يؤدي الى عدم الشعور بالأمان والاستقرار النفسي.
 إذ يمكن أن يؤدي هذا إلى الشعور بالقلق المستمر وعدم القدرة على الاستمتاع بالحياة، مهما كانت جميلة. 
باختصار هذه هي بعض الآثار النفسية الشائعة التي يتركها الخوف والقلق من الحرب او الحروب نفسها.
وهنا يجب أن ندرك أن الآثار النفسية تختلف من شخص لآخر وقد يحتاج الأفراد المتضررون إلى دعم نفسي وعلاج للتعامل مع هذه الآثار.

كيفية المواجهة؟

{ كيف يمكن مواجهة هذا التوتر والقلق؟
- هناك العديد من الموارد المتاحة للمساعدة في دعم الأفراد الذين يعانون من التحديات النفسية في هذه المرحلة، بالعلاج النفسي والارشاد والتوجيه،وذلك من خلال التوجه الى مراكز الرعاية الصحية التابعة لوزارة الصحة والمنظمات الغير حكومية. كما يمكن أخذ الإستشارات والمتابعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
 ويمكن أن يساعد العلاج النفسي على التعامل مع المشاعر والأفكار الصعبة المرتبطة بالحرب.
أيضا مجموعات الدعم بوزارة الصحة اللبنانية هي مجموعات داعمة، للذين يبحثون عن الدعم من الآخرين، الذين عانوا من تجارب مماثلة.
منظمات الـ NGO’s الغير حكومية هناك العديد من المنظمات التي تقدم خدمات الوقاية والرعاية النفسية للاشخاص المتضررين من توتر وقوع الحرب، والذين يعانون من التحديات النفسية السابقة.

تداعيات الإهمال

في حال أهملت معالجة هذه الامراض النفسية ما تداعياتها؟
«في لبنان كما نعلم الصحة النفسية من أكثر جوانب الرعاية الصحية تعرّضا للإهمال، رغم تأثر مليار شخص في العالم بمشاكل متعلقة بها… 
يمضي كثيرون وقتًا طويلًا بين الانتباه للتحديات النفسية وتلقّي العلاج النفسي والدعم المناسبين. والخوف هو من التطور الخفي لهذه الضغوط. 
في مرحلة الطفولة والمراهقة يمكن التعرف إليها ومعالجتها بسهولة، أما إذا تُرك القلق دون علاج، فقد يؤدي ذلك الى تثبيت القلق كمرض،أو قد يؤدي إلى ظهور أمراض عقلية أخرى.
وكلما طال الوقت الذي يستغرقه الشخص لتلقّي العلاج النفسي زادت صعوبة التعافي وأصبح الأمر معقداً أكثر،فالتأخير يتسبب في عواقب وخيمة مثل تطور الأمراض النفسية والجسدية المختلفة، واعتماد علاجات خاطئة تهددالحياة، كما يحدّ ذلك من الفرص الاجتماعية والمهنية، وزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب.
وفي حالة الأشخاص الذين يعانون من القلق بسبب الحروب يمكن أن يستمر العلاج لمدة تصل إلى عشر سنوات أو أكثر من بداية الاضطراب.
لكن يمكن للتدخل العلاجي المبكر أن ينقذ الشخص وأحباءه، كما يقلل من احتمالية حدوث مشاكل في العمل والأسرة، ويقلل التكاليف الطبية والعبء على الأصدقاء».

أزمة إنسانية

للاسف هناك العديد من الاطفال والمراهقين الذين يشاهدون ما يجري في غزة سواء عبر شاشات التلفزة أو وسائل التواصل الاجتماعي،أيضا ما انعكاس ذلك على نفسيتهم؟ 
{ هناك العديد من الاطفال والمراهقين الذين يشاهدون ما يجري في غزة سواء عبر شاشات التلفزة أو وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا الأمر ينعكس بشكل سلبي (حاد) على نفسيات وحياة الأطفال والمراهقين في لبنان، لأن ما تتناقله وسائل الإعلام والفضائيات والصحف يجعل الأطفال في لبنان وأيضا في العالم يعيشون أزمة إنسانية وبحالة خوف وقلق ليس بسبب حالات الموت وعمليات القتل البشعة التي تحصل في الحرب فحسب، بل أيضا طريقة القتل والتشريد والتدمير التي تحصل تجعل الحياة غير آمنة للطفولة، وتجعل الأطفال يعيشون حالة هلع وخوف تؤثر على نفسياتهم وحياتهم وسلوكهم اليومي.
تناقل صور لجثث وصور حرب عنفية تزرع الرعب والهلع في نفوس الأطفال، ووباء الخوف والهلع سينعكس على العالم كله لأنه سيؤدي إلى تحويل جيل كامل إلى جيل يفكر بشكل قلق… 
وهذا يشكل خطراً على العالم أن تحرم طفلاً من حقه بالحياة من دون قلق وخوف وتعمل على قتل طفولته بهذا الأسلوب الوحشي والهمجي، فهذا الجيل لن ينسى ما شاهد من اذى وقتل وظلم بحق الطفولة والانسانية. 
وفي النهاية كل ذلك سوف يؤدي إلى حياة يسودها الجحيم، وجيل يسوده البؤس وحتما الانتقام والغضب.

سبل العلاج

{ هل من سبل محددة للوقاية والعلاج؟
- يجب على أولياء الأمور الحذر ومنع الأطفال من مشاهدة هذه الصور والفيديوهات من خلال ضبط وسائل التواصل الاجتماعي بشكل دقيق ومراقبة ما يشاهده الطفل على الهواتف وغيرها.. 
كما من الضروري أن نوضح الحقائق بشكل مبسط دون إرهاق لعقل الطفل ونفسيته، وأن نوضح للطفل بأنه في أمان ولن يحصل أي شيء مقلق، كذلك لا يوجد داع لتعريض الأطفال لمشاهدة الأخبار بما تحتويه من مشاهد العنف والقتل،وننصح بعدم تعريض الأطفال للضغط النفسي بالحديث المتواصل معهم أو أمامهم عن أحداث الحرب، حتى لا يصابوا بالذعر. 
هناك الكثير من الأمهات والآباء يتساءلون: هل أخبر أطفالي، وأشركهم في متابعتي لما يجري في غزة وفلسطين؟
 الإجابة نعم، عليكم أن تخبروا أطفالكم بشكل مبسط وصادق لكن بشكل غير مقلق، خاصةً وأنهم يمكن أن يعرفوا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أو التلفزيون، أو حتى من زملائهم في المدرسة… 
ويجب مواصلة التحدث إليهم، والاستماع إليهم، والإجابة عن أسئلتهم بما يتناسب مع أعمارهم. 
وبعد هدوء الأحداث، أو بعد العودة إلى البيت، يمكن منح الأطفال تمارين تخفف التوتر،مثل التمارين الرياضية والتمارين العقلية، التي تساعد على التركيز ومن ثم تخفف التوتر. 
وحذار أن نطلب من الأطفال أن لا يبكوا ولا يخافوا، لأننا بهذه الطريقة نكتم مشاعرهم، وهذا الأمر يزيد فرصة تعرضهم للصمت أو الانسحاب أو الاكتئاب وغيره. 
من المهم جداً أن نسمح للأطفال بالتعبير عن حزنهم، وعدم منعهم من البكاء، وأن نقول لهم «ما يجري مؤلم، ونحن نشعر بالحزن مثلكم». 
من المهم عند حدوث قصف، أو مشاهد عنف وقتل تحدث أمامهم أن نأخذهم بعيدا عن موقع الأحداث،وضمهم وإشغالهم بأمور أخرى، إذ يتم تشتيت انتباههم في هذه اللحظات العصيبة، ومن الأفضل إعطاؤهم القليل من الماء لشربه، وممارسة بعض تمارين التنفس، وأن نقول له مثلا «خذ نفس وأشرب الماء، الأمور بخير نحن معك»، مع حضنهم قدر الإمكان.