بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 أيلول 2022 12:00ص التسويف والمماطلة والكسل : مَنْ منّا لا يعيشهم اليوم؟

حجم الخط
التسويف مصطلح نفسي دقيق يعني المماطلة والتأجيل المستمرين للمهمات الحياتية كافة، الدراسية منها والمهنية، وللواجبات المنزلية والعائلية ايضا.
وقد يمكن لأي شخص مُصاب به أن يضيّع نهاراً كاملاً، أيامًا أو حتى أسابيع وشهورا عديدة، من دون أن يحقق الهدف الذي كان يبتغيه وأن يبقى بذلك متقاعساً عن العمل من غير ان يشغله أي عملٍ آخر، مثال: قد ينوي شخص ما الخروج من المنزل للقاء صديق، لكنه يستمر في تأجيل هذا اللقاء لاسباب واهية تعود لانعدام رغبته بالتحرك من الفراش أو امتناعه عن النهوض باكراً. وينسحب ذلك أيضا على مهمات أخرى تتعلق بالدراسة او بالعمل أو بأي مهمة أخرى مهما بلغت أهميتها ومهما كانت الفائدة المرجوّة منها. وعليه ينطرح السؤال الآتي: ما الأسباب التي يمكن ان تدفع بمطلق شخص إلى هذا السلوك التسويفي؟
أولاً: الكسل والمماطلة ليسا اضطرابا فرديا بل هما مشكلة عصرية!
كمختصّة نفسية، أسأل نفسي أولا وأسأل من ثم أعزائي القراء خصوصا المقيمون منهم في لبنان: من منا لديه اليوم الدافع القوي كي يعمل بنشاط؟.
قبل الإجابة أعرض لمحة عن نظريتين عن الدوافع النفسية لبيان أن ما نعيشه اليوم من كسل وانعدام للرغبة في العمل أو الإنجاز هو ظاهرة شائعة ومشكلة عصرية سببها التفاقم المستمر للأوضاع المعيشية في لبنان.
تربط «نظرية العدالة» التي هي احدى النظريات التي تفسر دافعية الإنجاز في العمل  بين درجة الدافعية لدى الفرد وشعوره بعدالة ما يتقاضاه من عوائد، حيث يميل الفرد إلى مقارنة أدائه مع مقدار ما يتقاضاه من حوافز، ومع أداء غيره والحوافز التي يحصل عليها. وهو لذلك مستعد دائما لبذل أقصى جهوده في انجاز مهامه، طالما أنه توجد عدالة في الحوافز وفي العوائد الأخرى. أما ماسلو فيفسر في نظريته الدوافع ومدى ارتفاع مستواها الى الحد الذي يصل به الفرد إلى تحقيق الذات من عدمه، بما يطرأ من خلل في الحاجات الأولية عند الإنسان مثل المأكل والمشرب والمسكن والحاجات البيولوجية الأخرى. إذ أن الدافعية لتحقيق الذات تتراجع بل تكاد تنعدم تماما بحال لم يتوفّر الفرد على كفايته من الحاجات الأولية.
   ثانياً: هل يطال التسويف والكسل طلابنا اليوم؟. 
بكل تأكيد نعم. أولا بسبب التنقل من مدرسة إلى أخرى في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي نمر بها. فالطالب يفقد من رغبته في النجاح والتفوق. ويكون التسويف هنا بمثابة عدوى نفسية. فعندما يردد الاهل امام أولادهم الطلاب كل يوم الشكاوى نفسها حول الوضع في لبنان والمستقبل الضبابي فيه، ويكررون على مسامعهم الجملة البائسة والمتداولة «قد ما درست وتعبت واخدت شهادات مش رح تلاقي شغل»، فإن  رغبتهم في النجاح ستتلاشى، ودافعيتهم الدراسية ستنخفض. وقد ينسحب ذلك المشهد حتى على المتفوقين في دراستهم اذ لا تُقدّر جهودهم ولا يصار الى تنمية مواهبهم واستثمارها في المكان الصحيح. أضف إلى ذلك  إضرابات القطاع الرسمي المستمرة، التي تمنح الطلاب المتقاعسين أساسا الفرصة المناسبة في التأجيل المستمر لدروسهم ولواجباتهم المدرسية؛ لكونهم على علم مسبق بالانقطاع المستمر عن الدراسة.
ثالثاً: الأبعاد الجسدية للتسويف.إنّ أي اضطراب يُصاب به الفرد ليس من الضروري أن تكون أسبابه نفسية اجتماعية بل ربما تكون بيولوجية أيضا. إذ أنّ نقص الفيتامينات في الجسم يضع أي شخص تلقائيّاً في حالة كسل وانخفاض مستوى الرغبة عنده في العمل او في القيام بنشاط ما.وإلى جانب أهمية دور الفيتامينات لا يمكن اغفال الانماط الغذائية التي تؤثر بشكل مباشر في تفاقم المشكلة. وتصديقاً على ما ذكرناه، فإن جيل اليوم يفضل بلا شك وجبات الـ «fast food». وسبب هذه الآفة المنتشرة تساهل الامهات بالدرجة الاولى حيث يتقاعسن عن الاهتمام بغذاء أطفالهن أو الإشراف على ما يتناولونه من طعام وشراب بدل تعويدهم على نظام غذائي صحي يتألف من جميع العناصر التي تحتاجها أجسامهم.  وقد بلغ بنا العصر الى موضة الـ «lunchbox» المدرسية التي اصبحت الـ «trend» على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت كل أم تتباهى أمام متابعيها بـِ ال برغر و البيتزا و بمأكولات أخرى من ماركات تجارية أجنبية خالية تماما من أي فائدة صحية، بل على العكس مليئة بالدهون وبالصباغات الملوّنة التي تفتك بصحة الجسم ولا تعطي من يتناولها سوى الشعور بالامتلاء والخمول  والرغبة في النوم. من دون أن ننسى طبعا نسبة المراهقين المدمنين على مشروبات الطاقة التي اصبحت في متناول الجميع من غير ضوابط رقابية، وكلما ارتفع سعرها ازداد الطلب عليها اكثر. واضرار هذه المشروبات لا تقتصر على الكسل الذي يعقب الطاقة القوية التي تعطيها بداية لمستهلكيها، بل على مشاكل عدة في الجهاز الهضمي وعلى تأثيرات سلبية على صحة القلب.
رابعاً:هل الـ «social media» سبب أيضًا ؟
كل شيء في حياتنا يمكننا استخدامه إما للتسهيل والاستفادة أو للتدمير.
ولا شك أنّ لمواقع التواصل الاجتماعي اليوم فوائد عديدة، لكن سلبياتها أيضا كثيرة ومنها ما بات يُعرف بـ«الإدمان الالكتروني». فمعظم الناس باتوا لا ينامون باكرا وبحال استيقظوا صباحاً تراهم يمسكون أولا بهواتفهم الذكية لتصفح خاصية الـ «stories» ثم إجراء محادثات على الواتساب، أو الذهاب إلى «TikTok» الذي اصبح بمثابة خشبة مسرح افتراضي، عليه تتنفس الاعصبة النفسية، وفيه تظهر كل يوم وساوس جديدة تتملك الناس، مثل عدد الـ «likes and views» الذي عليه التنافس والتحدّي. فالجميع تقريبا باتوا ممثلين وراقصين ومغّنين بحسب الـ «trend» مع ما يتطلبه هذا من تحضير وجهود و تكرارات عدّة لإنجاح المشهد.
بعد كل هذا العرض لنمط الحياة «السلبي» كم من الوقت والطاقة سيبقى لدينا للعمل؟.
خامساً:خطوات بسيطة لكنها فعالة في محاربة مشكلة الكسل والتسويف. 
١-تصحيح علاقتنا مع الفترة الصباحية،بما معناه الاستيقاظ باكرا مع الالتزام بوجبة فطور صحية قبل تناول القهوة والاستماع الى ما يريح أعصابه.
٢-الاستماع الى النشرة الاخبارية مع تناول القهوة وتبادل الاحاديث مع افراد الاسرة.
٣-ضبط مواعيد النوم وأن لا تقل عن ٧ ساعات متواصلة.
٤-اذا كنت تعمل او تدرس عن بعد أي online ومضطرا ان تبقى طوال النهار في المنزل، فاحرص على ان لا تبقى بثياب النوم بل ارتد ملابسك المخصصة للخروج .
٥- حاول ان تكون الغرفة التي تعمل فيها مرتبة ويدخلها الهواء ويستحسن ان تذهب الى اي مقهى او حديقة لتستكمل الكتابة او القراءة او اي عمل تقوم به،المهم ان تتجنب البقاء في المنزل طيلة النهار.
٦-تبسيط المهام وتقسيمها، إذ يُفضَّل أن تقسم مهامك وان تنظمها بحسب الصعوبة وأن تحدد المدة الزمنية التي ستنجزها بها، وان تبدأ بالأسهل ثم الأسهل، قبل الانتقال للمهات الاكثر صعوبة والتي تتطلب جهدا اكبر.
٧-ضبط الوقت: بالاضافة الى ضبط مواعيد النوم حاول ان تضبط وقتك وان تنظمه 
بين العمل واوقات الغذاء والراحة، وان تحدد ايضا وقتا للتسلية وللخروج من المنزل اووقتا مضبوطا لتصفح مواقع التواصل الاجتماعي.
٨-مكافأة النفس او معاقبتها: عند انجازك لمهمة ما في وقتها المحدد لها، والنجاح في تحدي الكسل، فإنه من الجيد ان تكافىء نفسك على هذا النجاح. و بحال حصل العكس فمن المستحسن أن تعاقب نفسك، العقاب البنّاء والمجدي، كأن تقول مثلا: اذا لم استطيع انهاء هذا العمل اليوم سوف أحذف عن هاتفي تطبيق Facebook. 
٩-ممارسة الرياضة يومياً مع مرافقة اشخاص نشيطين ولديهم قدرة عالية على التحفيز للعمل، والابتعاد في المقابل عن الأشخاص المُحبِطين وأصحاب النظرة السلبية في الحياة، مع تخصيص وقت مناسب للخروج في عطلة نهاية الأسبوع للاستجمام والاستراحة، وهذا من شأنه أن يشحن طاقاتك لأسبوع مقبل مليء بالنشاط.
١٠-اجراء تحاليل وفحوصات مخبرية، ومراجعة الطبيب المختص للتأكد من عدم وجود أي مشكلة هرمونية او متعلقة بنقص الحديد والفيتامينات، وحلّ أي مشكلة بتلقي العلاج اللازم لها تحت اشراف الطبيب المختص.