بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 تشرين الثاني 2018 12:00ص زحمة لوحات جلاء على صخور نهر الكلب!!

حجم الخط
ترتفع صخور نهر الكلب بمحاذاة  جسر قديم على مدخل كسروان باتجاه طرابلس، ويقال بأنّ هذا الجسر تم بناؤه لأغراض عسكرية على الأرجح، وهناك عدّة آراء حول العهد الذي أنشىء فيه الجسر، لكن الأكيد أن الأمير بشير الشهابي الثاني هو الذي أعاد بناءه (1809)، وفي العام 1880 بنى المتصرّف رستم باشا جسراً ليربط كسروان بالمتن، واستبدل المتصرف واصا باشا هذا الجسر في العام 1888 بآخر، رمّمه المتصرّف نعوم باشا في العام 1901.
ومع البدء ببناء خط الترامواي الحديدي على طول الساحل اللبناني، في أواخر القرن التاسع عشر، بُنِيَ على نهر الكلب جسر صخري، أُقيمت عليه سكة الحديد، لكن أعمال توسيع الأوتوستراد في العام 1995، أخذت في طريقها الجسر والسكة.
نحو 23 نقشاً ونصباً يعود تاريخها إلى ما قبل الألف الثاني ق.م. تميّزت بها صخور نهر الكلب التي تشكّل  متحفاً عسكرياً في الهواء الطلق...
ذكرى مرور 75 سنة على الاستقلال، لم تمر دون إمكانية إضافة مشهدية جديدة على لوحات الجلاء، كما على تاريخ لبنان، التي يؤرّخ له هذا المكان، الشاهد على اندحار كل الجيوش الأجنبية عبر التاريخ القديم والحديث ليبقى لبنان.
وتعقيباً على طلب وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل من نواب كسروان، الذي زار المكان مؤخراً، طالباً الاستحصال على ترخيص لوضع لوحة على صخور نهر الكلب تجسّد ذكرى خروج الجيش السوري عام 2005، تقدّم النائب شوقي الدكاش بطلب إلى قائمقام كسروان جوزف منصور للاستحصال على ترخيص، طالباً تحويله الى المراجع المختصة.. وعلّق  الدكاش بهاشتاغ: #كل_طلب_متل_هالطلب.
آثار نهر الكلب التي تشكّل مختصراً لتاريخ لبنان عبر العصور مكتوبة بلغات جميع الغزات الهيروغليفية، الآشورية، البابلية، اليونانية، الرومانية، اللاتينية، الفرنسية، الإنكليزية والعربية. وهذه النقوش تؤرّخ لمعارك عسكرية كبرى، فما هي النقوش ودلالاتها التاريخية العسكرية.
{ النقوش الفرعونية: إعلان انتصار وسلام، حيث حفر الفرعون رعمسيس الثاني (1279 – 1213 ق.م.) ثلاثة نقوش على الضفة اليسرى لنهر الكلب، وذلك بعد انتصاره على الحثيين. فمصر كانت على خصومة مع الدولة الحثّية، وفي العام 21 من حكم هذا الفرعون، انتهت الخصومة وحلّ السلام بين الطرفين، وأُعلن ذلك عبر النقوش التي وصف فيها رعمسيس الثاني أيضاً فتوحاته العديدة.
لكن للأسف، أحد هذه النقوش – وهو عبارة عن صفحة كبيرة بالهيروغليفية، تظهر رعمسيس ممسكاً بشعر أسير أمام الإلهة أمون رع – أزالته البعثة العسكرية الفرنسية، التي أرسلها الإمبراطور نابليون الثالث بقيادة الجنرال دي بوفور، إلى بيروت وجبل لبنان على أثر حوادث 1860-1861، فالقائد الفرنسي، لم يكلّف نفسه عناء نحت صخرة جديدة بل أزال النقش الفرعوني ووضع مكانه رقماً يخلّد ذكرى حملته.
إذاً كان رعمسيس الثاني، أوّل من بدأ بحفر النقوش على صخور نهر الكلب تخليداً لذكرى انتصاراته العسكرية، وربما أيضاً لوضع علامات للحدود الشمالية لمملكته.
{ النقوش الآشورية: نقش أسرحدون ما زال صامداً، حيث اعتمد الآشوريون سياسة توسعية خلال الألف الأول قبل الميلاد، سمحت لهم بالوصول إلى الشواطئ الشرقية لحوض البحر الأبيض المتوسط. وتخليداً لذكرى هذه الفتوحات، نحت الملوك الآشوريون خمسة نقوش على صخور نهر الكلب، لا يزال أحدها واضح المعالم، وهو يشير إلى الملك أسرحدون (681 – 668 ق.م.)، وفتحه لمدينة ممفيس في مصر السفلى (671 ق.م. تقريباً).
{ النقوش البابلية والكلدانية: انتهى عهد الآشوريين على يد قوّة عسكرية بابلية – كلدانية بقيادة نابوفلاصر (625 – 605 ق.م.) الذي اعتبر نفسه وريث أشور، فادّعى السيادة على فينيقيا. وفي العام 605 ق.م. وقعت معركة كركميش بين فرعون مصر ونبوخذ نصّر، فانتصر فيها الأخير، واعترفت المدن الفينيقية بالأمر الواقع، لكنها احتفظت باستقلالها الداخلي مقابل دفع جزية إلى الكلدانيين.
وخلّد الملك البابلي نبوخذ نصّر (605 – 562 ق.م.) هذا الانتصار بنقش مسماريّ على ضفة نهر الكلب الشمالية. كما ترك الكلدانيون نقشاً تخليداً لذكرى حصارهم لصور (585 - 572 ق.م).
{ النقوش اليونانية واللاتينية: مؤرّخة ما بين القرنين الثاني والرابع بعد الميلاد، ومن بين تلك النقوش، واحد لاتيني يعود إلى عهد الإمبراطور الروماني كركلا (ماركوس أوريليوس انطونيوس)، يذكر فيه الأعمال التي أجراها فيلق من الجيش الروماني، الكتيبة الغاليّة الثالثة، على الطريق الساحلي، وآخر يعود للإمبراطور قسطنطين (334 تقريبًا)، وهو بمثابة علامة على الطريق الساحلي بين إنطاكيا وعكا.
وهناك نصب باللغة اليونانية يشير إلى أعمال تأهيل الدرب في العام 382 بهمّة بروكلس والي فينيقيا. 
{ وفي ناحية أخرى، اجتاز مضيق نهر الكلب (من المحتمل أنّ نهر الكلب كان واسع الأطراف عند مصبّه، فكانت السفن التجارية والعسكرية ترسو عنده) قادة كبار، لكنّهم لم يتركوا أي شيء، كالإسكندر الكبير، والصليبيين، وصلاح الدين الأيوبي.
{ وفي تشرين الأول 1918، أمر القائد الإنكليزي ألّنبي بوضع نصب على نهر الكلب تخليداً لذكرى انتصاره على العثمانيين الذي حقّقه فيلق الصحراء البريطاني في دمشق وحمص وحلب، لكن في العام 1930، صحّح الفرنسيون خطأ الإنكليز، فأمروا برفع نصبٍ ثانٍ أضاف أسماء الفرق الأخرى التي شاركت في تلك المعركة، وهي: الأسترالية، النيوزيلنديّة، الهندية، الفرنسية - المغربية (Spahis السباهيين)، وقوات الجيش العربي بقيادة الملك حسين، شريف مكة.
كما وضع الفرنسيون نصباً يذكّر بسيطرة الجيوش البريطانية والفرنسية على بيروت وطرابلس في تشرين الأول 1918، وطرد العثمانيين منهما.. وهناك أيضاً نصب يذكّر بسقوط دمشق في يد جيوش المشرق الفرنسية بقيادة الجنرال غورو في 25 تموز 1920.
{ وعند جلاء آخر الجنود الأجانب عن لبنان في 31 كانون الأول 1946، أضاف الرئيس بشارة الخوري ما كان يعتقده آخر نقش آنذاك حول هذا الموضوع، فكانت لوحة الجلاء الشهيرة، لكن بعد ذلك أتت اللوحة التي خلّدت ذكرى اندحار العدو الإسرائيلي في لبنان، وانسحابه في 25 أيار 2000. فكم من نصب جديد سيوضع لاحقا؟