بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 تموز 2019 12:05ص الشاعر سرجون كرم لـ «اللـــــواء»: ما يجري في العالم العربيّ من الناحية الشعريّة يفوق التصوّرات مقارنة مع باقي الدول

د. سرجون فايز كرم د. سرجون فايز كرم
حجم الخط
لا ريب أنّ الانطولوجيا النسائيّة اللبنانيّة التي قام بترجمتها إلى الألمانيّة الدكتور سرجون كرم إلى جانب المترجمة كورنيليا تسيرات قد حقّقت هدفها المطلوب بغض النظر عن النجاح الذي حصدته هذه الترجمة في لبنان وفي ألمانيا، أقلّه الإشارة إليها في الصحف اللبنانيّة والعربيّة والألمانيّة ودعمها من مؤسّسات ألمانيّة وعرضها ومناقشتها في صرح أكاديميّ كمعهد الدراسات الشرقيّة والآسيويّة في جامعة بون، فإنّ الموضوع في حدّ ذاته هو من صلب الثقافة العربيّة المعاصرة، فمواضيع مثل تأمين الحريّة الشخصيّة والفكريّة والأمان النفسي والجسديّ للمرأة اللبنانيّة هو موضوع عالميّ. ونصوص الشاعرات التي تُرجمت كانت عبارة عن نماذج مكثّفة تستطيع أيّة امرأة في العالم أن تتفاعل معها كونها تتحدّث أيضاً عن تجربتها. ومعه أجرينا هذا الحوار:

{ ماذا عن ديوانك الأخير أولا؟

- ديواني الأخير «سندس وسكّين في حديقة الخليفة»، فكما يظهر من عنوانه يتعامل مع الثقافة العربيّة من باب الحديقة الخلفيّة للعقل العربيّ. فمن الإرهاب المتلطّي بثياب الدين الإسلاميّ إلى الوعي الجمعيّ الذي يفرز الناس حسب معتقداتهم وأفكارهم إلى المغترب في وطنه والمتغرّب جسديّا ونفسيّا في بلاد الغربة إلى النظرة إلى الشعر العربيّ الحالي كلّها كانت محاور ينتمي إلى هذه الثقافة والحياة والمجتمع ويقدّم طروحاته من منطلق إنسانيّ كونيّ.

{ هل من قوانين نقديّة لطفرات الشعر العربيّ التي تحدث حاليّا وكيف يمكن تصنيفها؟

- النقد الأدبيّ ليس مادّة يمكن اكتساب أصولها بالدراسة الجامعيّة، ما يدرّس في الجامعات مدارس النقد الأدبيّ لا كيف تصبح ناقداً، ومع أنّ النقد الأدبيّ يخضع لمزاج الناقد وشعوره تبقى هناك ضوابط تتحكّم في عرضه للنص ومعالجته. فالناقد هو الواسطة التحليليّة بين النص وقارئه. وإذا نظرنا إلى النقد الأدبي الحديث في أوروبا، فإنّه نشأ في عصر التنوير وكان يهدف إلى إلغاء صورة الدين للعالم وإدخال مفاهيم أخرى تناسب العصر وترمي إلى إشراك أكبر عدد ممكن من الشعب في الخطاب والجدال. مسألة النقد الأدبي ومشاكله ليست مقتصرة على العالم العربيّ فقط بل هي موضوع سجال في الساحات الغربيّة، لا سيّما أنّ المدرسة التقليديّة للنقد في الكتب قد انتهت ليحلّ محلّها عالم الانترنت من صفحات التواصل الاجتماعي ومواقع الأفراد والمجموعات التي تنشر النصوص الشعريّة ونقدها. لكن ما يجري في العالم العربيّ من الناحية الشعريّة يفوق التصوّرات مقارنة مع باقي الدول، فعدد من يحمل اسم شاعر لا يحصى والنصوص غزيرة من ناحية الكمّ متشابه أكثرها في النوعيّة. فطفرات الشعر ونقدها لا يمكن السيطرة عليها حاليّا كون الشبكة الالكترونيّة مهولة في سطوتها وسرعة تسويقها لأيّ شيء. والنقد أصبح منحصراً في موضوع المديح والعلاقات الشخصيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والعلاقات الذكوريّة - الانثويّة هي معيار الاختيار. قبل طرح سؤال «هل هناك نقد أدبي» لنسال «هل هناك شعر» في هذا اليمّ الهائج بالنصوص والمفردات. صحيح أنّ الحداثة الشعريّة عندما بدأت كان لها همّها وهدفها في تحرير الإنسان العربيّ، على الأقلّ الشعر، من السلطة الاجتماعيّة والسياسيّة والدينيّة وفتح آفاق إنسانيّة جديدة، ولكنّها أثبتت فشلها على لسان منظّريها الذين بدأوا ينادون بالعودة إلى القدامة. هذه الحداثة الفاشلة تتحمّل المسؤوليّة في تحويل الشعر العربيّ إلى نوع من القطيع الهائج عندما رأى باب السور مفتوحاً خرج هائجاً من دون هدف.

{ ما هي الأسس التي تتمسّك بها كميزان شعريّ يمكن وضعه أمام القارئ الغربيّ؟

- عندما أكتب الشعر أكتب نفسي. لا أقول أنّني صاحب مدرسة شعريّة ولا أنتمي إلى أيّة مدرسة شعريّة. عندما أكتب الشعر أدرك حقيقة واحدة أنّني جزء من هذه الإنسانيّة الشاملة حتّى في إقليميّتي وتفاصيلي. وهنا ألتقي مع القارئ الغربيّ أو يلتقي معي.

{ إلى مدى تؤثّر لهجة الشعر الحالية والهشاشة في بناء مقاييس القصيدة على الترجمة وندرتها من العربيّة إلى اللغات الغربيّة الأخرى؟

- بشكل عامّ العالم العربيّ ليس في وضع مثاليّ كي يضع ثقافته أمام الشعوب الأخرى أو أن يقارع بتصرّفاته وأفكاره وآفاقه الشعوب الأخرى، ناهيك عن الصورة النمطيّة السيّئة التي تطبع الإنسان العربيّ وزادها سوءا ما يحدث في عالمه من حروب ومجازر وإرهاب. فحتّى لو كان للإنسان العربيّ إنجاز شعريّ فلن يهتمّ به العالم الغربيّ، فكيف لو لم يكن له هذا الإنجاز. إنّ اهتمام الأوروبيّ بالشعر الجاهليّ والحياة العربيّة في القرن الثامن عشر كان من باب طفرة الرومنسيّة والبحث عن عوالم خياليّة، وهذه الطفرة انتهت. عدد المعاهد الأكاديميّة في أوروبا التي تتطرّق إلى الشعر العربيّ الحاليّ ضئيل جدّا إن لم يكن معدوماً. الأمسيات التي تقام في أوروبا تقام فقط في مكتبات المدينة أو بدعوة من أفراد أو مؤسّسات تربطها بالمدعوّين علاقة.

في الترجمة يمكن اكتشاف النصّ على حقيقته. في الترجمة نتحرّر من عامل الأثر الموسيقيّ والتلقّي السريع للنصّ. الكثير من الشعراء يحلم بأن يترجم إلى لغة أخرى والعديد غافل عن حقيقة أنّ القارئ على الضفّة الأخرى لن يقرأ أصول البلاغة في اللغة العربيّة المستعملة في القصيدة بل أوّل ما يريده هو الفكرة المطروحة. إنّ ترجمة الأعمال الشعريّة العربيّة إلى لغات أخرى ما زالت حتّى الآن خيار أفراد وعلاقات وليس هناك من مؤسّسات حكوميّة غربيّة تغطّي هذا الجهد.



dohamol@hotmail.com