بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

29 نيسان 2022 12:10ص وطن الغرقى!

حجم الخط
ها هم ينتظرون على قارعة أمانيهم. إلا أنّ أحدًا لن يكسر جليد نظراتهم أو يُعجّل من ضربات قلوبهم. ساكنون هناك سوف يبقون؛ مثل جنازة فوق ظهر الأبدية تعبرُ  سريعاً شارعَ العمر الطويل. كأعمدة دخانٍ ترتفع عيونهم فوق تلال التفاصيل؛ ولا شيء يرتسم في أفق أيديهم الصفراء. هل يذهبون ويتركون خنادق الانتظار؟ أم يفتحون نيران أسلحتهم المتبقيّة على ظلالهم البيضاء وهي تجثو أمامهم من التعب؟ يقرعون أجراس القَدَر فوق رؤوسهم الحليقة كالدّمى وكدمٍ جفّ صوته يختبئون خلف سطور  التاريخ الشائكة. مرّ الفجر من هنا. خلعوا نجومهم العالية وتركوا بنادق أحلامهم الفارغة فوق صخرة النهار. الليل معطف الحائرين. وفروا الوقت الأسود يُدغدغ عقارب الموت في المسافة بين أهدابهم والبحر. أملٌ مالحٌ يقهقه بين فكيّ الموج. لكنْ أبعد من التراب لا تذهب عيونهم الهاربة. أهوال من فوقهم ومن تحتهم أهوال. من يسرق من الوقت وقتهم؟ من يُغرق مراكب السماء المفتوحة فيهم؟ ومن يُشعل الموسيقى الحزينة في أوتار غيابهم؟ ساكنون هناك سوف يبقون مثل حديث الحجر للراقدين. يضحك الغياب من حضورنا. على خنجر الوطن يصحو لحمنا وينام. الطريق فوّهة للضيّاع. والمسافرون يحزمون أرواحهم في حقائب البرد الأخير. ابتسامات أطفال لا تعرف القلق ولا تعرف النجاة. القعر أقرب إلى حلمي يقول طفل لأبيه المفجوع:  سأتمسّك بضفائر الماء الطويلة وأسبح نحو اللانهاية. أوقفوا ساعاتكم يا أبي عن العدّ الرتيب. فكل شيء هنا يعجبني. عشب أزرق وأخضر وأحمر جسدي يا أبي. عشب كثير للقيامة. أخون الهواء والضوء والغبار والريح. واخون قبري والوردة العارية وسط الهباء. ولكنني لا أخون يا أبي الماء. غدا ربما تصطادني سمكةً ملوّنة أو أبتلعك حوتاً من ذكريات. وطن الغرقى أنا هنا. تنفّسني هل تذكر من أنا؟


أخبار ذات صلة