بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 آب 2023 12:00ص لماذا يتمسك العدو بتلال كفرشوبا؟

حجم الخط
ثمة تساؤل فرض نفسه عند البعض في لبنان، لكن أين هي الأطماع الإسرائيلية في وطن الأرز؟! لقد ترك العثمانيون أرشيفاً كبيراً في لبنان، رغم تعرّض جزء منه لعملية تشويه من الغرب. وقد سبق لرئيس بلدية شبعا، محمد صعب، ان قال بأنّ هناك صكوكاً منذ العهد العثماني، تثبت لبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، اللتين يطالب لبنان الإحتلال الإسرائيلي بالإنسحاب منهما. وقال في مقابلة مع وكالة الأناضول، أنّ هذه الصكوك صُوّرت من المواطنين الذين ما زالوا يحتفظون بها، وأرسلها لبنان إلى الأمم المتحدة لإثبات ما تنكره إسرائيل التي تدّعي أنّ مزارع شبعا وتلال كفرشوبا تتبعان الجولان السوري. وأفاد أي السيّد صعب أنّ هذه الوثائق ما زالت متواجدة في الأرشيف العثماني بتركيا. تعتبر مزارع شبعا منطقة استراتيجية سياحية غنية بالمياه ونظراً لأهميتها فإنّ إسرائيل لا تزال تناور للإحتفاظ بها.
إنّ واضعي المخططات الصهيونية أدركوا في مرحلة مبكرة جداً أهمية جبل الشيخ الإستراتيجية والاقتصادية. فهذا الجبل ومنه مزارع شبعا يختزن كميات ضخمة من المياه التي تلبّي احتياجاتهم كما يشكّل موقعاً عسكرياً هاماً وخطّاً هجومياً ودفاعياً في آنٍ معاً، فضلاً عن كونه منطقة تصلح للسياحة والإشتاء والاصطياف. والجدير ذكره أنّ إسرائيل وقبيل احتلالها للجولان عام 1967، كانت تنظر بخوف وهلع إلى هذه المنطقة العالية المطلّة على أراضيها. يؤكّد الدكتور شاوول كوهفي، ان احتياجات إسرائيل للحياة تقضي بالسيطرة الكاملة على قطاع قمة جبل الشيخ. أما بلدة كفرشوبا فتقع عند سفوح جبل الشيخ الغربية الجنوبية، وهي ضمن مثلث الحدود بين لبنان وسوريا وفلسطين. إن الأهمية الاستراتيجية لتلال كفرشوبا والتي تُعتبر جزءاً من جبل الشيخ وتحتوي على خزان هائل للمياه يُقدّر بنحو مليار و200 مليون متراً مكعّباً، يرفد فلسطين المحتلة، إضافةً إلى دور هذا الجبل على المستوى العسكري لإسرائيل، حيث نصبت فيه أحد أهم أبراج المراقبة في الشرق الأوسط، وتستطيع عبره مراقبة دمشق بأكملها. عملياً يحتلّ المياه في الفكر الصهيوني مركزاً مرموقاً، يكاد يرتقي إلى درجة أو مصاف العقيدة. وللحرص على امتلاك إسرائيل للمياه، ينبغي تحقيق هدفين أساسيين، الأول يكمن بتأمين الحاجات المتزايدة إلى المياه في قطاعات الزراعة والصناعة والاستخدام المنزلي، والثاني يقتضي بإيجاد مصالح أو مشاريع مائية مشتركة مع العرب أي ربط المصالح العربية بالمصالح الإسرائيلية، بحيث يصبح من الصعب جداً على الطرف العربي غضّ الطرف عنها، أو التنصّل منها، ومن هنا كان لشيمون بيريس بتاريخ 15 آذار 1995، عندما كان وزيراً لخارجية العدو الإسرائيلي، تصريحاً في معرض تعليقه على استعداد الاتحاد الأوروبي لتمويل مشاريع سدود أردنية - إسرائيلية مشتركة على نهر اليرموك، بأنّ بلاده في الحرب تحتاج إلى أسلحة. أما في السّلم فهي بأشدّ الحاجة إلى المياه. وعندما نتحدّث عن إسرائيل الكبرى نعني تمدّد الكيان العبري من الفرات إلى النيل. إنّ مؤسّس الحركة الصهيونية تيودور هيرتزل 1860-1904 سبق أن أعلن عن رغبته الجامحة بتحويل الصحارى في أرض الميعاد إلى مساحات يكسوها الإخضرار!! ومن أهم الأسباب التي تجعل إسرائيل محتفظة بمرتفعات الجولان وتلال كفرشوبا ومزارع شبعا هي الرغبة الإسرائيلية الملحّة في الإشراف الدائم على مصادر المياه المجاورة سواءً أكانت أنهاراً أم ينابيعاً أم آباراً جوفية. لقد سبق لغير بيدرسون وقد كان الممثّل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان أن قال عام 2006، لقد أمضيت عدة أعوام في إسرائيل، واستطيع أن أقول لكم أنهم يحسدونكم على ما تتمتعون به من مياه. وكانت الحركة الصهيونية وفي المذكرة التي رفعتها إلى مؤتمر السلام الذي انعقد في باريس العام 1919، قد أعربت بوضوح عن توقها الشديد في الإستيلاء على جنوب لبنان وجبل الشيخ ، لأن جبل الشيخ وحسب ما ورد في تلك المذكرة يُعتبر أبو المياه الحقيقي لفلسطين. وطالما أنّ الأطماع الإسرائيلية بمياه لبنان وسائر ثرواته مستمرة، فلا غبار على أن وطن الأرز العربي يبقى بحاجة إلى السلاح المقاوم. إن ما هو متواجد في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم المحتل من الجولان، سيجعل الكيان الصهيوني رافضاً الانسحاب من هذه المناطق للأسباب الآنفة الذكر. ولو كانت المقاومة لا تزال يسارية وقومية عربية وقومية سورية لرفضوها لأن مشكلتهم ليست مع طائفة المقاومة وجنس حزبها إنما معضلتهم أنهم يرفضون كل من يتصدّى لمخططاتهم القائمة على القضم والنهب والضمّ. ولو كان هنالك لواءً مقاوماً في الجيش الوطني اللبناني لرفضوه أيضاً، وخصوصاً أنّ بلاد السوبرمان هي من تسلّح الجيش. من هنا وبما أنّ المشروع الأميركي الصهيوني عجز عن إزالة السلاح، فإنّ حرب أميركا الاقتصادية التجويعية ستستمرّ على الشعب، خصوصاً في ظلّ استمرار هدير الأصوات المطالبة باعتماد الكنتنة والفدرلة صيغة تحكم لبنان بكلّ التهاباتها المذهبية. وهي الحرب التي دخلت لبنان من كوّة في جداره أحدثها فساد الطبقة الحاكمة اللبنانية التي تعاقبت عبر عقودٍ من الزمن. وهنا أعود بالذاكرة إلى تاريخ 1 كانون الأول 2018 حيث كانت يومها محاضرة البروفسور ماكس مانوارينج خبير الإستراتيجية العسكرية في معهد الدراسات التابعة لكلية الحرب الأميركية، وأمام كبار الضباط من حلف الناتو والجيش الصهيوني، حيث قال أن القديم بات جديداً والجديد هو الجيل الرابع من الحرب، ويتابع أن هدفنا لم يعد يقتصر على تحطيم مؤسسة عسكرية لإحدى الأمم وتدمير قدراتها، بل هدفنا للإنتصار بات الإنهاك، التآكل البطيء بثبات، لإرغام أعدائنا على الرضوخ لإرادتنا، وأهدافنا ومشيئتنا، لذا فإنّ جزءاً كبيراً من أهدافنا يتمحور على زعزعة الإستقرار. وهذه الزعزعة ستجعل مواطنون من الدول المعادية ينفذونها وعندها يصبح بإمكاننا التحكم النهائي وجرّ الخصم والعدو على تنفيذ فروض الطاعة العمياء.
وفي هذا الصدد يجب أن لا يفوتنا ما سبق ان قاله الرئيس ريتشارد نيكسون، سندع اقتصاد الدولة التي تناوئنا سياسياً يصرخ من داخلها.