بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 آب 2023 11:57م قطوع الكحالة أم كوع الكحالة؟

حجم الخط
للمرة الألف تذكرنا الساحة اللبنانية، بما تحبل به من أحداث وتلده من وقائع على الساحة اللبنانية على مرّ الأيام والسنين والعهود بأن النطفة التي تفرزها خصية المتحكمين بالساحة اللبنانية تستولد كل أنواع الحالات والوقائع التي يمكن أن يتخيلها المرء والتي تنتمي إلى ما يمكن تصنيفه في خانة الفشل أو الشذوذ البيولوجي أوالتشوهات الخلقية وكأن هؤلاء الحكام من جنس خصيتهم مصابة بمرض ينزع عنها القدرة على إنجاب مخلوقات مكتملة المواصفات.
وما نقصده بالمخلوقات مكتملة المواصفات هو تحديداً والأهم الدولة من بين مخلوقات أخرى تستلزمها حياة الأمم والشعوب والجماعات. فلأن الحكام عندنا من أي منبت كان (ولا نفصل شعبنا عنهم ولا نعفيه من حصته من المسؤولية عما نأخذه على حكامه من مآخذ قاتلة في نهاية المطاف) هم ما هم فيه من حال مرَضي ونمط عقم في ممارساتهم نراهم عاجزين عن إنتاج مجتمع وبلد سوي وإدارته، وبالتالي حمايته مما يتهدده سواء من الخارج أم من الداخل.
فالاجتهادات كثرت حول إبراز الخصائص ولْنقلها عوامل القوة التي يحظى بها البلد أو التي يجب خلقها أو استنهاضها وتنميتها والتي من شأنها أن تكفل له درء الأخطار المحيقة بالكيان ولن ندخل في تشريحها هنا بل نكتفي بذكر ما تمكننا متباعة اختبار تطبيقات هذه (الخصائص العوامل) على الأرض 
II
نشأت خلال تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية وإثر اغتصاب أرض فلسطين عدة صيغ لمقاومة هذا الوضع الشاذ وإصلاحه أو الانقلاب عليه للوصول إلى أوضاع تتأمن في ظلها حياة آمنة ومستقرة وكريمة ترضي الجميع أو أقله الغالبية العظمى.
فشعبنا تاريخه حافل بالانتفاضات وصيغ المقاومة لشتى أنواع المظالم والشذوذ في الحكم التي سادت في تاريخه. غير أن هذه السلسلة الطويلة من التجارب والتي جرى صوغها وخوضها مغلفة بأيديولوجيات متنوعة شرقية وغربية دنيوية وسماوية لم توصله إلى تخطى ما شكل على الدوام عائقاً أمام بناء كيان وطني جامع يعلو فوق كيانات الانعزال والتقوقع والشرذمة من شتى الأنواع  سواء أكانت العشائرية أم الجهوية أو الإثنية أو اللغوية أو المذهبية أو الطائفية أو الدينية. بل إنه في مسيرة تطوره وارتقائه الحضارية وكأنه ممنوع عليه لا نعلم لأي اعتبار، طالما هو يدب على هذه الأرض أو الساحة إذا شئنا تسميتها هكذا، بلوغ مستوى الإدراك والوعي الوطني الذي يستتبعه اعتناق عقيدة تملي عليه أن يولي رعاية شروط حياته لهيئة جامعة لنسمها دولة حديثة عصرية بحق. علماً أنه ما إن يبتعد قليلاً عن هذه الأرض سرعان ما نرى هذا اللبناني يبرع في اعتناق أرقى وأحدث القيم والأفكار العصرية الفلسفية والعلمية والسياسية ويصبح في العديد من بلدان الإغتراب رائداً للتقدم والحداثة وقائداً لثورات حيثما لا بد من ثورات (إلّا على أرضه). وما نقوله عن هذه الخصائص والإستعدادات الحميدة منها أو السلبية يتشاطرها تاريخياً أهل بلاد الشام. حتى لا نحصرها بـ"طائفة" اللبنانيين المستحدثة.
III
والمفارقة التي نسجلها هنا بعد المعاينة السالفة هي بصورة موجزة التالية:
من جهة نرى اللبناني أو السوري أو الشامي في الخارج سبّاق إلى الانخراط والاندماج مع عناصر الشعوب الأخرى التي تستضيفه على أرضها في أي مشروع نهضوي بقطع النظر عن الخصائص الفسيفسائية الدنيا التي تميز الجميع بعضهم عن بعض. وغالباً ما نجدهم في الطليعة كفرد أو جماعة، ليس دعاة تعايش ومبشرين به وحسب بل ممارسيه ومبدعين فيه.
من جهة أخرى نراه على أرضه ينبذ كل عمل جماعي سواء كان في تيار ولائي أم في تيار تعارضي وهي سمة تميّزه أنَّ كان المستوى والموقع الذ وجد فيه. ينبذ كل ما يتطلب التكاتف والتضامن والعمل الجماعي تحقيقاُ لخدمة عامة عبر أي من الأطر العامة الملائمة المعهودة. نراه يرتاب من الأطر الجماعية على أي مستوى وفي أي مجال كان وصولاً إلى نبذ مفهوم الدولة وإنْ تقبّله فسعيه الدائم توسله لأغراضه الخاصة (أولاً، - أنا أو لا أحد) على حساب المصلحة العامة. من دون الإسهام في المقابل بما يتطلبه مدها بأسباب تمكينها من أداء ما يطلبه منها هو بالذات، وإن فعل فدائماً بنحو قسري وليس طوعي. كما نراه ينبذ فكرة الوطن ككيان يجمع عناصر وجماعات وأقوام وطبقات متباينة ومتنوعة في خصاصها التكوينية. وفكرة الوطن عنده لا تتعدى سقف الطائفة أو المذهب وهنا يبرع اللبناني في إظهار حميته زوداُ عمّا يعتبره مصلحة الطائفة وهذا يندرج على رأس ما يندرج في قائمة الأمور التي تستدعي منه الزود بحياته من أجلها. وهو بذلك يجعل من الرمز الديني الأداة التي يسور فيها حياته السياسية وتعاطيه مع سواه من أصحاب الإنتماءات إلى رموز دينية مغايرة فينكفئ عنهم في المجال الجامع الأرقى أي الوطني العام فتغدو بذلك الهويتين الطائفية والوطنية فارغتين من محتواهما الأصليين. إذ لا القيم الدينية تملي على المرء الإنكفاء والتقوقع  ولا أن يضمر العداء لأصحاب المعتقدات الدينية الأخرى. وأما على مستوى الهوية الوطنية فهي خالية من شرطها بدئي وهو الإنتماء إلى أرض وتسورها حدود جغرافيا مادية وثقافة وتاريخ.
IV
ومن المعاينة السالفة لأوضاع البلد وأهله وأهل الحكم معاً وإلى ما يشكله نشوء المقاومة في لبنان ووجودها على أرضه  من موضوع نزاع بين اللبنالنيين على أرض لبنان. ونشدد على القول المقاومة على أرض اسمها لبنان. لأن للمقاومة في وجدان اللبناني مسار آخر:  في حال كانت المقاومة خارح لبنان وكان اللبناني خارج لبنان نفسه.
هي هذه الثنائية التي تجذب أو تستقطب اللبناني في سلوكه التي نسميها فصام.
أما في مقاربتنا لما يحدث من وقت لآخر حول تعرض المقاومة (الوطنية ثم الاسلامية) لاعتداءات في الداخل من قبل من ينكرون عليها شرعية وجودها ومبرر وجودها كحركة وطنية ولو تلونت بلون طائفي بحكم نشأتها في كنف جمهور احتضنها وساندها وكان قد احتضن صيغ أخرى سالفة من المقاومات على أرض الجنوب ولم تكن حصرية على طائفة أو جهة (وإن كان يغلب عليها طابع هذا أو ذاك من التكوينات الاجتماعية السياسية اللبنانية) نود تسجيل أن لا بد للمقاومة أن تدرك مثلها مثل أي مقاومة في العالم، وهي نظنها مدركة أن الأخطار تحيق بها من كل الجهات. فكما أنها لا تستغرب ولا يعلو صراخها أن يعتدي عليها العدو وأن تكون مستهدفة من العدو الظاهر (الخارجي) ينبغي ألّا يطلق باسمها صراخ الاستنكار والاستغراب بأن يعتدى عليها من قبل العدو "الخفي" المتربص في الداخل أو، ذاك الذي يجاهر في عدائه لها لسبب يضعه كقوة في الداخل في موقع العدو أو أقلّه الخصم.
V
لقد اعتدنا في لبنان، وهذا ليس بريئاً، النفخ في نار أي حادثة تحصل كبيرة أو صغيرة لتعظيم لهبها استثماراً للحادثة وتوظيفها خدمة لأهداف ليست إلا لمصلحة قوى خفية هي هي قوى العجز والعقم والتشوه الخلقي. المذكورة أعلاه المساندة والمستقوية بمساندة مصالح خارجية عديدة.
وبعد ذلك تَخمد "القطوعات" و"الأكواع" المتفرقة أو تُخمَّد من دون أن تكشف لنا الحقائق الكامنة وراء المشهد 
كل ما حدث على هذه الساحة منذ تشرين 2019 وحتى في تشرين نفسه إلى الآن لم يستطع أحد أن يقدم تفسيراً قابلاً للاستيعاب وأن نفهم مدلوله لا من الزاوية السياسية ولا الاقتصادية ولا الأمنية. لا قضية الحريري ولا قضية المصارف وسرقة العصر ولا تفجير المرفأ أفدنا بما يقنع عاقل. وها نحن اليوم أمام حادثة جديدة خطيرة لا شك بما أنها تنشب برفع السلاح في الداخل بعضهم على بعض، ويسقط قتلى. فسرعان ما قيل إن خلف الحادث مؤامرة قبل أن تجمع الأدلة وتحلل. كيف هي مؤامرة تكشف بهذه السرعة وغيرها وصفت قبلها كذلك ولم يفد بشنأنها ما يوضح ذلك. وقيل باستهداف المقاومة فما الغريب في أن يكون  في الداخل من يستهدفها فهي مسألة عليها صراع منذ أمد. الكل استنكر ودان وهدد.
عظيم ولكن لم تسمع أصوات تحذر من عواقب مثل هكذا أحداث قبل أن تحدث وتكشف ما يهيئ بصورة مستدامة بمختلف وسائل التعبئة إلى ان يحدث  ما يحدث. منذ أربع سنوات  ويحدث من حوادث ما يستدعي استنفار واستنكار وإدانة وكشف عن خفاياه؟ أليس من حق من يعانون آثار ما يحدث وخصوصاً السلبية منها والأمنية  أن نُعلم و نَعرف ما الذي حصل قبلأ والذي حدث منذ ساعات أول أمس سواء كنا من من هذا الطرف أو ذاك معارضين أو ممانعين (حسب التصنيفات الجديدة للقوى على الساحة؟ . هذا أبسط حق من حقوقنا وأبسط واجب من واجبات الدولة لا أن نترك ضحية ولقمة سائغة لمواخير الإعلام المنتشرة يمنة ويسرى ونفاق من يطلقون صرخات الغيرة على البلد وأمن شعبه نفاقاً من قبل خبراء ومحللين. لا نعلم من أين عمّدوا بهذه الصفات من دون حقيقة أن ترد على ألسنتهم أي طرف من حقيقة. من دون حقيقة وبسيادة التجهيل لا نصون بلداً بل نعبد الطريق إلى فنائه. ومش ممكن يبقى لبنان بلد لأهلو إذا  بقي مقبرة كل الحقائق غيوم وسائل الإعلام كلها وما أكثرها.
VI
إن اتخاذ أي اعتداء من قبل الأعداء الداخليين على المقاومة ذريعة لتلويح أو التهديد بحرب أهلية وأن حادثة الاعتداء هذه أو تلك هي المدخل إلى إشعال حرب أهلية هو تخويف بغير محله. فعلى سبيل المثال إن أي اعتداء من قبل العدو على المقاومة مهما عظم حجمه لم يؤخذ منطلقاً من قبلها للتهديد باستهداف شعب العدو فمن باب أولى ألّا يهوَّل علينا بأن استهداف المقاومة من الداخل يفضي بالأحداث المذكورة إلى إشعال حرب أهلية. حصانة المقاومة، أي مقاومة، لا تؤمن لا بتخويف أهل الخصم ولا باستنفار أهل المقاومة ضدهم. حصانة المقاومة من بين أمور أخرى تنبع من عدم انجرارها للإستفزازات من جهة ومن التوجه إلى أهل الأعداء أكانوا قلّة أم كثر، بما يخاطب مصلحتهم وأمنهم في كل شيء في السياسة والاقتصاد والثقافة هذا من ناحية والعمل وفقاً لمبدأ ((ما لا تستطيع تأمينه بيضتك لا تأمل في الحصول عليه ببيض غيرك)) كائناً من كان حليفاً أو صديقاً أو أجهزة دولة هي قاصرة في الأساس وإلّا لانتفى مبرر وجود المقاومة نفسه. تلك هي المسائل التي يجب أن تطرح سعياً لتعزيز البيئة الوطنية الحاضنة لأي عمل مقاوم.وريد الاعتقاد أن الأمر ليس خاف على أعلى المستويات.

VII
قالوا ((قطوع)) قلنا ((كوع)) وانفتح: 
((قطوع)) الكحالة قالوا، هذا ما نتمناه أن يكون مجرد ((قطوع)) لكن لنقلها بكل ‏واقعية إنه ليس كذلك بل كوع (كوع هنا بتعبيرنا اللبناني "ريغار" أي ‏مصرف المياه الآسنة). والحادثة تلقفتها الأطراف جميعاً ممن لا ترى للأحداث أفقاً وحيد الجانب هو دائماً الحرب الأهلية وتنسج خيوط ‏حملة تحذير من مغبة الوقوع في فخاخها، حرب أهلية يتنفس من خلالها ‏أصحاب التحذير الصعداء كلما انفضحت نتائج سياساتهم العاجزة على الصعد ‏كافة من هنا وهناك. ‏‎ ‎وليس مصادفة أن يتزامن قطوع/كوع الكحالة مع ‏قطوع البنك المركزي واستبدال حاكم سابق بنائب حاكم سابق يحتفظ هذا ‏الأخير بدُرج الأسرار المنقول إليه مفتاحه ضمن حملة تمويه وطمس ‏المسؤوليات وتحميلها للحاكم وحده فيما هو لم يكن سوى الأمين السابق ‏الوفي للعهد المقطوع تماماً حتى اللحظة الأخيرة على عدم البوح بأسرار ‏الحكام السياسيين والماليين جميعاً. فعملية الاستبدال هنا أيضاً تفوح منها برائحة ‏كوع/ريغار المياه الآسنة لمصرف الطبقة الحاكمة‎. 
نقول لهؤلاء جميعاً أقلعوا عن هذه المعزوفة/الرديئة والنغمة الخبيثة. ليس ‏في البلد ولم يكن يوماً في الحقبات ما بعد الحرب العالمية الثانية ما يستدعي ‏نشوب حروب أهلية في لبنان. وكل ما دار من حروب على أرضه في ‏السابق واللاحق لم تكن حرباً أهلية لكن ألبستموها حكاماً وإعلاميين ‏وأحزابا ثوب حرب أهلية للتستر دائماً على ما هو سائد من أوضاع شاذة ‏في البلاد وبالتالي على الفشل العضوي الدائم في بناء دولة مكتملة ‏المواصفات.
وبانتظار أن نصل إلى هذا الاستحقاق الداهم ستبقى الأحداث ‏من هنا وهناك تنويعات على طبول حروب الآخرين على أرض لبنان ولكن ‏تحت نشيد حرب أهلية.
VIII
الحرب التي تلوح في الأفق آتية لا محال ولكنها لا تزال في الاحتمال البعيد أو القصير . الحرب التي ينذر ‏‏((كوع الكحالة)) بالحضور والتحضير مجدداً لشبحها هي فصل جديد من حروب الآخرين على أرض لبنان الساحة المستباحة. أما الحرب ‏الحقيقية الأهلية فستكون على الحكام هؤلاء، كلماتها وألحان نشيدها تنسج ‏من عذابات هذا الشعب الرازح تحت تأثير بتاغون الطوائفية المضادة ‏لدولة القانون والحق ودولة العزة والكرامة الحقيقية.