بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 نيسان 2024 12:00ص واجب إسناد المفاوض الفلسطيني

حجم الخط
د. زياد علوش

للشهر السابع على التوالي تستمر غزة، مقاومة وشعباً، صامدة صابرة محتسبة في وجه فظائع العدو الصهيوني، ولا يزال مفاوضوها ثابتين على الحقوق.
المفاوضات تجري برعاية قطرية - مصرية وانحياز أميركي كلي لصالح إسرائيل، وزير الخارجية الأميركي «انطوني بلينكن» يطالب الدوحة وقطر بدفعهما حماس للإستسلام وتحميلها وزر فشل المفاوضات ما لم تقبل الاملاءات الظالمة، بالتأكيد الراعيان العربيان لن يفعلا ذلك خصوصاً قطر الداعم العربي المهم لغزة.
المفاوض الفلسطيني يحتاج الى الدعم العربي والإسلامي الشعبي والرسمي كما الدعم الدولي الممكن، لتحقيق وقف فوري ودائم للمعركة الحالية وانسحاب جيش الاحتلال من غزة وعودة المهجرين وتبادل الأسرى وإعادة الإعمار على وقع تدفق المساعدات الإنسانية، وهذه كلها مطالب محقة وملحّة، فالشروط الإسرائيلية تعجيزية الهدف منها كسب المزيد من المماطلة للاستمرار في ارتكاب المزيد من المجازر.
إن ماهية الدعم العربي والإسلامي تتطلب مروحة واسعة من المواقف والاجراءات، على الصعيد الشعبي لا بد من صوت جماهيري هادر دافع ومساند للمواقف الرسمية في هذا الاتجاه، ورسمياً وجوب صياغة موقف سياسي ودبلوماسي وإعلامي موحّد ومتماسك في وجه أميركا والقول ان مصالح واشنطن ستتضرر في المنطقة باستمرار انحيازها الى جانب إسرائيل وفي الشق العملي إذا ما خلصت النوايا العربية والإسلامية وتمتعت بالدوافع المناسبة لن تألوا جيوشنا الجرّارة وأجهزة استخباراتنا العتيدة وقد تحوّلت من ارهاب الشعوب في الداخل وحراسة الأطماع الخاصة الى جبهة فلسطين جهداً في إيصال الدعم العسكري والأمني والإنساني لغزة بما يخفف من وطأة حصارها وتجويع شعبها.
والأهم أن تتضافر وتتقاطع الجهود العربية والإيرانية والتركية على الأسس الآنف ذكرها في دعم المفاوض الفلسطيني، حتى الآن المساندة محدودة ومن ينتقدها عليه تقديم البدائل الممكنة.
وفي نقطة مهمة لما تشكّله إسرائيل من خطورة بالغة على لبنان خصوصاً بعد ما كشفت عن ساديتها المطلقة في غزة وما تهدّد به لبنان على الدوام، من الواجب اللبناني العام أيضاً تعزيز الجبهة الداخلية بإحتضان المقاومة خصوصاً أن آداء حزب الله في غاية الحكمة الوطنية والفعالية في وجه العدو الإسرائيلي، في اللحظة الراهنة لا يجب اشعار تل أبيب بمشهدية تفكك الداخل اللبناني فالضعف يغري العدو بالمجازفة، صحيح ان هناك تباينات سياسية داخلية لكن في اللحظات التاريخية تفرض المصلحة العليا التعالي فوق الصغائر، هذا التعالي سيكون له تأثيره المهم مستقبلاً على المستوى الداخلي عندما تضع الحرب أوزارها والعكس صحيح، فعندما تتعزز الثقة بحسن النوايا والأفعال في اللحظات الحرجة يكون تأثيرها حاسماً، وإذا كان لا يمكن للعدو أن يأخذ بالمفاوضات ما عجز عن تحقيقه في الميدان فإنه يمكن للمنافسة السياسية أن تأخذ مداها في تحقيق النتائج الإيجابية على مستوى الداخل الوطني بما لا يمكن أن تحققه بالتعارضات السليبة والاستقواءات الخارجية، وعلى هذا الأساس فالإسناد الفاعل والمطلوب بشكل مباشر وغير مباشر يتطلب تبنّي فلسفة أخلاقية ووطنية وحضارية في غاية النقاء والذكاء.
والى المهوّلين بالحرب الإسرائيلية المفتوحة على لبنان فإنها ستضاعف فشل «تل أبيب» وتعمّق أزمتها، فأهداف العدو الإسرائيلي من هكذا حرب مع لبنان، المعلن في تل أبيب ابعاد حزب الله لما وراء الليطاني، وهذا يتطلب دخول بري، ليس من المؤكد أن تستطيع إسرائيل فعل ذلك وأن فعلت ستعلق في رمال جبهتي فلسطين ولبنان المتحركة مفتوحة على رمال أخرى في الإقليم.
بالتأكيد مسألة توغل حزب الله داخل فلسطين المحتلة مسألة متواترة في قنوات السياسة والإعلام وقد أعدّ لها الحزب بحيث يصبح السابع من أكتوبر العام 2023 مجرد «بروفة» وهكذا تبدو إسرائيل عالقة دون أن تجد ضوء في آخر نفقها المظلم لذلك هي توغل بما يضاعف فشلها ويعمق أزمتها.
الحديث عن التضامن والاسناد يعني الحديث عن صناعة المعادلات، ينبغي للعرب والمسلمين الذهاب نحو صناعة معادلات القوة الخاصة بهم بعد إحالة ظاهرة العجز والخذلان العربي والإسلامي الرسمي والشعبي لـ«غزة» لعلماء النفس والاجتماع، وما رافقها من انتقادات لحركة المقاومة الإسلامية حماس لإقدامها على تفجير عملية «طوفان الأقصى» وتحميلها تداعيات ما حدث ويحدث لـ «غزة» أو من لعن وطعن بالسادية الصهيونية وأدعية منبرية بهلاك الأعداء.
اننا وبدل أن نفكر في تحقيق لوازم الإيمان؛ وهو نصرة المؤمن لأخيه المؤمن، رحنا نجادل في الفرق والمرجعيات جدالا جاهلا جهولا، بينما اخوة لنا يتعرضون لإبادة جماعية.
ان الفرق والمرجعيات التي لا تهتم بأمر المسلمين وهم يقتلون على أيدي قوى البغي والعدوان، لهي فرق ومرجعيات وجماعات ونخب موتها أولى من حياتها.
بل ان العدوان والبغي سيطالها جميعا، إذا تم تدمير الفئة المرابطة في غزة خاصة وفلسطين عامة.
الدرس الأهم من «طوفان الأقصى» والذي قد يعتبرها البعض دعوة حالمة، في ظل الانقسام الشديد والواقع المتأزّم، هو أهمية كيفية صناعة المعادلات بدل التلهي بتكرار المعزوفة السالف ذكرها، في معظم المشادات مع إسرائيل، العرب لا تنقصهم عناصر خلطة اوكسير التغيير الكامنة نحو الأفضل بل يفتقدون للدوافع والإرادة والعزيمة، لتسييلها الى أرض الواقع، ويتأتّى ذلك من اهمالهم للحق العام لصالح المصالح السلطوية الضيقة، مما يبقيهم حكام ضعفاء على شعوب منهكة، رغم المقدرات الهائلة الكامنة لصناعة الفرص البديلة الممكنة.
منعاً للإستشكال في أذهان البعض في اللحظة التاريخية الحاسمة «غزة» في نقاء جهادها شعباً ومقاومة هي معيار المواقف والأفعال ووحدة القياس بين الحق والباطل؛ الصح والخطأ، في وقت إدلهمت فيه الخطوب ومعارك وحروب الفتن الداخلية، جاءت حرب غزة جهاداً ناصعاً كالثلج فوق قمم الجبال، يمتحن معادن المواقف والأفعال فناصر من ناصر وساند من ساند وتضامن من تضامن، وصمت من صمت وتخاذل من تخاذل وتآمر من تآمر، أشرّهم تركيبات استخبارية (جهادية) من تنظيمات وحركات وعمائم وأبواق صدّعت رؤوسنا بالجهاد المزيف ودفنت رؤوسها وبلعت ألسنتها عند غزة حيث يكرم المرء أو يهان.