بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 أيار 2025 12:35ص زيارة ترامب: الدور الرائد للسعودية إقليمياً ودولياً

حجم الخط
وصل الرئيس دونالد ترامب امس الثلاثاء الى الرياض، في رحلة «تاريخية» الى ثلاث دول عربية تستمر ثلاثة ايام يزور خلالها ايضاً دولتي قطر والامارات. وبالرغم من اهمية الاحداث التي تلف المنطقة بدءاً من المشكلة النووية مع ايران ومروراً بأزمة حرية الملاحة مع الحوثيين، وضرورة وضع نهاية للمجزرة المستمرة في قطاع غزة، ووصولاً الى اجراء استطلاع جدّي من اجل تسوية كل الازمات المعقدة التي تلف المنطقة بما فيها امكانية فتح صفحة جديدة بين السعودية واسرائيل، والاهتمام بامكانية المساعدة على النهوض لكل من الحكم الجديد في سوريا وفي لبنان، لكن تبقى قضية الشعب الفلسطيني وإحياء فكرة حل الدولتين المشكلة الاكثر تعقيداً على المستوى السياسي، والتي ستتطلَّب جهوداً اميركية خاصة لإقناع نتنياهو وحكومته اليمينية بقبول هذا الامر، كمدخل لتطبيع علاقات اسرائيل مع المملكة العربية السعودية.
لكن تشكيلة الوفد الذي يرافق ترامب في زيارته للدول الثلاث، والذي يضم مدراء الشركات الاميركية الكبرى وعلى رأسهم إيلون ماسك صاحب شركة «تسلا» وشركة الفضاء «space X» بالاضافة الى شركة «بلاك روك» و«بلاك ستون» و«سيتي غروب» وغيرها من اكبر شركات التكنولوجيا المتقدمة، والتي يمكنها ان تحصل على استثمارات سعودية كبرى في ظل التطور والنمو الذي تشهده المملكة.
ستمثل رحلة ترامب الى المملكة مرحلة جديدة في علاقات الولايات المتحدة مع المملكة وكلٍّ من قطر والامارات، بحيث ان العلاقات الاميركية مع الدول الثلاث لم تعد تقتصر على تدفقات النفط والغاز مقابل الترتيبات والالتزامات الامنية الاميركية للدول الثلاث، بل تتعداها للبحث في فرص الاستثمار الكبرى للاموال الخليجية في الاقتصاد الاميركي، حيث تأمل ادارة ترامب في ملامسة سقف ثلاثة تريليونات دولار. 
في رأينا يمثل هذا الامر مرحلة جديدة في العلاقات الاميركية الخليجية، حيث ستشكل هذه الاستثمارات حجر الزاوية في البناء الاقتصادي الاميركي، والذي يطمح ترامب الى تحقيقه خلال رئاسته الثانية، ويبدو جلياً من المعلومات المتوافرة بأن ترامب سينجح في تحقيق اهدافه الاقتصادية من هذه الرحلة، بعد ان استبقتها السعودية واعلنت عن استعدادها لاستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات الاربع المقبلة، في الوقت الذي اعلن فيه ترامب طموحه بالحصول على تريليون دولار من الاستثمارات السعودية.
اللافت ايضاً في تشكيل الوفد الاميركي المرافق للرئيس انه يضم الى جانب وزير الخزانة كُلًّا من وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الدفاع بيت هكيثن، وبما يؤشر الى الابعاد السياسية والامنية بالاضافة الى الابعاد الاقتصادية والاستثمارية، وبما في ذلك المطالب السعودية لعقد صفقات جديدة للحصول على طائرة «أف 35» وبناء منشآت نووية داخل السعودية تؤمن لها احتياجاتها من الاستعمال السلمي للطاقة النووية.
لكن، ووفق المعلومات المتوافرة، فإن مرافقة وزير الخارجية لترامب لا تعني الدخول في تعقيدات مسألة تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل، بل فإن الامر متروك لجهود مستقبلية سيبذلها الممثل الشخصي للرئيس الى المنطقة ستيف ويتكوف.
من المتوقع ان تؤسس هذه الزيارة للرئيس الاميركي لفصل جديد في العلاقات مع المملكة، وذلك نظراً الى اهمية المواضيع الكبرى المطروحة للبحث، ومن اهمها مساهمة الولايات المتحدة جدياً في بناء المشروع النووي الذي ترغب المملكة فيه، خصوصاً بعد توافر كميات من مادة اليورانيوم في الصحراء السعودية.
يتوقع العديد من الخبراء والمراقبين ان تنقل هذه الزيارة العلاقات الاميركية - السعودية الى مستوى جديد من العلاقات بين البلدين، حيث انها ستبحث جدياً عن وجود ارضية صلبة لتبادل المصالح على المستويين الاقتصادي والاستراتيجي، في ظل الدور المهم الذي باتت تلعبه السعودية على المستوى الاقليمي والعربي، فالامور بعد هذه الزيارة لن تقتصر على العلاقات السياسية والعسكرية بل ستذهب نحو البحث لتحقيق المصالح المشتركة التي تطمح بها واشنطن والرياض.
ستؤكد زيارة ترامب للسعودية التغيير الكبير في التوجُّه الجديد للحكم السعودي، حيث بات يطمح بوضوح الى نقل المملكة من كونها خزان وقود كبير لأميركا واوروبا والصين وبقية الدول الآسيوية، الى قوة اقليمية صاعدة وقادرة على الجمع بين الاقتصاد والسياسة، بالاضافة الى قدرتها على لعب دور ناشط وموثر على المستويين الاقليمي والدولي. ولقد اثبتت المملكة بالفعل قدرتها على لعب مجموعة من الادوار المؤثرة في توازنات الاقتصاد الدولي وفي العملية التفاوضية لحل النزاعات الدولية خارج حدود الشرق الاوسط،  هذا بالاضافة الى التعويل على لعب الحكم السعودي لدور فعّال في ايران واليمن وسوريا والعراق ولبنان.
في رأينا لقد بلغت السعودية حدوداً قصوى من النضوج السياسي والدبلوماسي وبما يخوِّلها عدم الاكتفاء باجراء اتصالات او رعاية عمليات تفاوضية بل باعتماد رؤية استراتيجية تحقق التوازنات اللازمة لارساء الاستقرار والسلم الاقليمي والدولي.
ويمكن للسعودية ان توظف تجاربها في اعادة بناء علاقاتها مع ايران، بعد الاتفاقية التي رعتها الصين لاصلاح العلاقة بين الدولتين. ومن المؤكد ان الرئيس ترامب وطاقمه السياسي والدبلوماسي يعون تماماً اهمية الدور السعودي في حل ازمات المنطقة، وخصوصاً لجهة حل القضية الفلسطينية.
يؤمل من هذه الزيارة ان لا تنتهي بحصول اميركا على الاستثمارات الكبرى التي تُمنِّي النفس بالحصول عليها من الدول الثلاث بل ايضاً بادراك الرئيس الاميركي وادارته بأن المملكة تملك القدرة والتجربة للقيام بدور كبير وفعّال لحل المسائل الاقليمية المزمنة والطارئة، وارساء قواعد الاستقرار اللازم لخدمة المصالح الكبرى المتبادلة بين الخليج واميركا.
ان التغيير المطلوب ان تحققه هذه الزيارة التاريخية لن يتعلق بقواعد جديدة كبديل لسايكس - بيكو بل باعتراف اميركي واضح بأهمية الادوار التي يمكن ان تلعبها السعودية.