بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 آذار 2022 08:57ص اللبنانيون يرقصون على صفيح ساخن

مشهد الانفصام: جوع وطوابير... وأماكن تضج بالحياة

حجم الخط
لا يختلف إثنان على أن لبنان يشهد إنهيارا على كل المستويات لم يشهد مثيله منذ المجاعة التي ضربته أبان الحرب العالمية الأولى.
فالناس صارت أسيرة الفلتان والفوضى والأزمة المعيشية والإجتماعية الخانقة من جهة وغياب وعجز الدولة من جهة أخرى.
لكن في ظل هذه الأزمة الصعبة والمستفحلة التي تكتسح البلد بالطول والعرض، نشهد نوعا من الإنفصام في مشهد الحياة العامة. ففي الوقت الذي تجاوزت نسبة من هم تحت خط الفقر الخمسين في المئة من اللبنانيين، نرى في مقلب آخر أن هناك مساحات من هذا المشهد تضج بالحياة وكأن شيئا لم يكن.

مطاعم ومقاهٍ في غير منطقة تشهد زحمة زبائن وأماكن ليلية تغص بالساهرين، ولا تنام.

صورة تجمع التناقضات..أبيض وأسود في كادر واحد.إنشطار حاد بين المشهدين في بلد تحولت فيه الحياة إلى أشلاء نتيجة الفساد والهدر والسمسرات وفئة حاكمة متسلطة ارتكبت هذه الجريمة مع شركاء لها في المجتمع اللبناني.

صحيح أن الأزمة الإقتصادية والمالية لا يجب أن تقتل في نفوسنا حب وثقافة الحياة ،لكن هذا التناقض الحادّ في ما نراه يوميا بين من يفتش بالسراج والفتيلة على لقمة العيش ومن يقضي حياته بشكل طبيعي نسبيا يطرح أسئلة ويترك علامات استفهامات كثيرة؟؟؟

في الأوضاع العادية نشهد تناقضات في الصورة أيضا بين فئة ميسورة تعيش أفضل من فئة أخرى فقيرة ومتوسطة.

لكن في وضعنا اليوم حيث يكاد معظم اللبنانيين يعانون من وطأة الأزمة المالية والإقتصادية ،كيف يمكن أن نشاهد الحياة تسير بشكل طبيعي وإنسيابي في بعض الساحات والأماكن؟

ووفقا للدراسات والتقارير ذات الطابع الإجتماعي ،تعتمد فئة من اللبنانيين على تحويلات أولادهم وأقاربهم من المغتربين في الخارج التي تتراوح سنويا بين 5 و7 مليارات دولار.

وهذه التحويلات تشكل العصب الأساسي لحياة نسبة من المواطنين بين 25 و35 في المئة وفق تقديرات غير دقيقة.

وبالإضافة إلى هذا العامل هناك عامل آخر يساهم في تجاوز نسبة من الناس الصعوبات المالية والإقتصادية ويتمثل باعتمادهم على مدخراتهم أكان في منازلهم أم من خلال السحوبات المحدودة من البنوك وفقا لتعاميم مصرف لبنان المتتالية 158 و161.

وهناك عامل ثالث يتمثل باعتماد فئة من المواطنين الذين يعملون في منظمات دولية وشركات خاصة على رواتبهم التي يتقاضونها ب «الدولار» أو يتقاضوا نصفها بالليرة والنصف الآخر ب «الدولار».

وفي الدراسات الإجتماعية ،أن ما نشهده من مظاهر حياة طبيعية وناشطة في مطاعم وملاهي وأماكن سهر معينة يقتصر على فئة قليلة من اللبنانيين تترواح بين 15 و25 في المئة وتزيد في مواسم معينة ولا سيما في فصل الصيف.

ولا يقتصر هذا الإنفصام على هذا المشهد في الحياة العامة، فهناك انفصام أقسى وأوسع يطاول طريقة تعاطي اللبنانيين بكل فئاتهم مع تداعيات الأزمة القائمة،فعلى الرغم من ارتفاع الأسعار الجنوني وانقطاع المواد الحيوية وأزمة المحروقات والخبز نشهد بين الحين والآخر الصفوف الطويلة والطوابير أمام محطات المحروقات والأفران والمواد الغذائية وحركة شراء لا تعكس الأحوال المالية للمواطنين ،وتكتظ الشوارع والطرق بالسيارات في عز أزمات البنزين وارتفاع سعر هذه المادة؟

ووفقا لخبراء في علم الإجتماع أن الخوف من المستقبل والتدهور المتدحرج يدفع المواطنون إلى تموين المواد الأساسية ويضحوا بكل ما عندهم خشية ما تخبىء لهم الأيام.

وهناك عامل مهم آخر يتعلق بضعف ثقافة المقاطعة في لبنان وبلدان مماثلة نظرا لضعف وتراجع تأثير القطاعات النقابية التي ما زالت تلجأ لأساليب تقليدية واحدة تتمثل بالإضرار والتظاهر ،بينما تشهد أوروبا ودول أخرى أن النقابات لجأت في أزمات عديدة إلى سلاح المقاطعة واستطاعت أن تحقق نتائج مهمة على صعيد الضغط لتخفيف أسعار بعض السلع .

وقد شهدنا خلال أزمتنا تجربة صغيرة في هذا المجال ، بمقاطعة البيض والدواجن حين ارتفعت أسعارها بشكل سريع وغير طبيعي، ما أدى إلى تراجع أسعارها بشكل نسبي.

وفي هذا المجال أيضا،لا بد من التوقف عند أحد أبرز أسباب التهافت على المواد الغذائية والمحروقات رغم ارتفاع أسعارها الجنونية، ويتمثل بغياب الدولة ودورها في حماية وتأمين الأمن الغذائي للمواطن،حيث نشهد بين فترة وأخرى بعض «الإستعراضات» لوزراء ومسؤولين التي لا ترتقي إلى مستوى محاسبة  المحتكرين ومعاقبتهم.

صحيح أن الحياة يجب أن تستمر وأن الناس مشدودة بطبعها إلى الجانب المشرق منها مهما بلغت الصعوبات لكن ما نشهده أحيانا في بلدنا يثير العجب ويترك الكثير من التساؤلات حول التناقض الحاصل بين تردي الوضع الإقتصادي والمالي من جهة والتعايش مع الأزمة وتداعياتها من جهة أخرى؟