بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 تشرين الأول 2023 12:00ص صرخة أم من بلادي: فهل من آذان تسمع؟

التعرفة الطبية للطبيب 135 دولاراً التعرفة الطبية للطبيب 135 دولاراً
حجم الخط
حكايتنا اليوم تترجم وجع غالبية الأمهات في لبنان،كونها تمس بالصميم الإنساني - الحياتي والمعيشي،خصوصا وأننا نعيش في بلد تعشش فيه الفوضى التي تطال مختلف القطاعات، ولا سيما التربوي منها والإستشفائي،دون حسيب أو رقيب.
هذه الأم اللبنانية اتصلت بنا متمنية أن تنقل وجعها من خلال صفحات جريدتنا التي اعتادت أن تكون منبرا لأي قضية محقة، إلا أنها تمنت علينا عدم نشر صورتها أو ذكر إسمها كي لا تتعرض لأي مضايقة أو إحراج هي أو أولادها.
هي امرأة من عائلة ميسورة كانت تعيش حياة هانئة ضمن بحبوحة مادية لا بأس بها إلا أن جنون «الدولار» وتردي الوضع الإقتصادي قلب موازين حياتها لدرجة لم تعد تتمكن فيها من المضي قدما أو تلبية احتياجاتها الأساسية.
ربما تتساءلون من هي هذه السيدة وما مشكلتها؟
هي أم لبنانية لديها 3 أولاد:صبي يبلغ من العمر 5 سنوات وتوأم يبلغان من العمر 4 سنوات،متزوجة من عميد متقاعد في الجيش إلا أن الطبابة العسكرية لا تغطي للأسف تكاليف علاج ولدها المصاب بالتوحد. 
نعم مشكلتها صعبة وصعبة جدا في زمن لم يعد هناك قيمة فيه لعملتنا الوطنية في ظل الغياب الكامل للدولة.
 ولدها إبن الـ5 سنوات يعاني من مرض التوحد،وقد اكتشفت هذا الأمر وهو في الثالثة من عمره،ألأمر الذي استدعى أخذه إلى الطبيب المختص حيث بدأت رحلة المعاناة الصعبة ليس بسبب مرض التوحد إنما نتيجة التكاليف الباهظة التي يستدعي دفعها لعلاج هذا المرض.

عدم اكتراث واستهتار

تقول: «المشكلة لم تكن يوما مادية إنما عدم الإكتراث والإستهتار في كيفية المعالجة التي تتم بشكل سريع، طبعا لا أستطيع أن أعمم فهناك أطباء كفء لكن مع الأسف أن الغالبية باتت تسعى وراء المردود المادي فقط.
أضيفي إلى ذلك أنهم يطالبون بصورة للرأس وغيرها من العلاجات التي يجب أن تتم مرتين في الأسبوع وهي عبارة عن جلسات..
والمؤسف أكثر أنني عندما أخضعت إبني لصورة الرأس التي طلبها مني الأخصائي فوجئت أنها لم تتم بـ«التكنيك» المطلوب لأن الطبيب لم يذكر فعليا هذا الأمر، مما اضطرني لإعادة الصورة ودفع التكلفة مرتين بسبب الإستهتار الطبي،علما أنني أعالجه في أهم مستشفى خاص في لبنان.

هذه هي التعرفة

بالنسبة للتعرفة الطبية، تقول:التعرفة الطبية للطبيب 135 دولارا،علما أننا عندما نتصل بالمستشفى لأخذ الموعد يقولون لنا 90 دولارا، إلا أننا عندما نأتي للفحص لدى الطبيب نفاجأ بأن المعاينة 135 دولارا ؟
وإن أردت مراجعة الطبيب يقولون لي مدام هذه هي التعرفة؟
أضيفي إلى ذلك، أن هناك جلسات علاجية يجب أن نقوم بها مرتين في الأسبوع،قيمة الجلسة الواحدة 75 دولارا أي ما يعادل ال 150 دولارا أسبوعيا .
أي أنني بحاجة ل 150 دولارا أسبوعيا فقط لجلسات العلاج.
هذا دون الجلسات الأخرى التي هو بحاجة لها حيث تبلغ إحدى الجلسات التي هي عبارة عن 20 دقيقة ال 40 دولارا؟
باختصار لمعالجة إبني أحتاج إلى 1500 دولار شهريا.»

SHADOW TEATCHER

أما فيما يخص قسط العام الدراسي،تقول:» الولد العادي قسطه يختلف عمن يعاني من التوحد حيث يزداد القسط 1500 دولار لأنهم يعطونه جلسات داخل المدرسة دون أن ننسى الـ(SHADOW TEATCHERمعلمة الظل) التي أيضا تطلب رقما خياليا قد يصل إلى الـ600 أو الـ800 دولارا،علما أن غالبية المعلمات لسن متخصصات بالفعل،لكنهن تدعين ذلك، خصوصا أن ليس هناك من يحاسب أو يتأكد من الشهادات ؟
أنا حاليا أدفع لمعلمة إبني 500 دولار شهريا،والحقيقة أنه لم يعد بإمكاني تحمل كل هذه النفقات.
أما فيما يخص المدرسة فشهريا علي أن أدفع 450 دولارا لإبني، هذا عدا عن مصاريف أولادي التوأم.

المطلوب إقامة مراكز

تقول: ليس هناك من يحاسب كل هؤلاء الأخصائيين أو أصحاب المستشفيات، المدارس والعيادات التي تعنى بالأولاد الذين يعانون من التوحد أو الإضطرابات الأخرى.
لذلك، المطلوب إقامة مراكز تعنى بهؤلاء الأولاد أو على الأقل مراقبة هؤلاء الأخصائيين وتحديد تسعيرة معينة من قبل وزارة الصحة المعنية مباشرة بهذا القطاع، دون أن ننسى أهمية المتابعة من وزارة التربية لواقع الحال في المدارس وبالأخص للمدارس التي تستقبل الطلاب الذين يعانون من التوحد او أي إضطرابات أخرى.
وهنا إسمحي لي ان أشير إلى أن المدرسة رغم تقاضيها ألأقساط المرتفعة بـ«الدولار» إلآ أنها لا تهتم تماما بالأطفال،لأنني لا أشعر بأي تقدم.
هذا عدا عن إلغاء جلسات العلاج دون سابق إنذار، علما أنها مدفوعة لكنهم لا يستعيضون عنها بأخرى والأسباب تكون سخيفة...المعلمة في إجتماع أو لديها حفلة مدرسية ما ؟
والأصعب أنهم «يربحونك جميلة» بأنهم يستقبلون إبنك.
لدي أصحاب في كندا،يعاني أولادهم من التوحد،تقدم لهم الدولة في السنة 41 ألف دولار، إلا أنها في المقابل تحاسب الأهل وتشترط إحضار الفواتير المدفوعة للعلاج،طبعا نحن بعد مليون سنة لن نصل لذلك لكن على الأقل ليكون هناك مراقبة وضبط لأسعار التعرفة الطبية وكيفية العلاج داخل المدارس.
وعن كيفية تمكنها من دفع كل هذه التكاليف الباهظة،تقول:»صدقيني نحن لم يعد لدينا وجود فكيف بالأولاد الذين يعانون من التوحد.
اضطررت لبيع منزلي في منطقة الحدث، واستأجرت منزلا في منطقة شعبية، كي أتمكن من معالجة إبني، لكنني أشعر أنني قد أصل إلى وقت أوقف فيه كل شيء لأنه لم يعد لدي ما أعطيه،كما أنني لم أعد أملك شيئا لأبيعه.
أيضا،طرأت عليّ مؤخرا مشكلة إضافية أن أحد أولادي التوأم تأخر بالكلام فقط،هو لا يعاني من شيء سوى أنه لا يستطيع مثلا أن يخبرك ماذا حدث بالأمس،مما اضطرني أن أدفع للمدرسة زيادة على القسط 1500 دولار؟
حاولت أن أنقله لمدرسة أخرى إلا أنهم قالوا لي أنه ليس هناك من أماكن شاغرة، لأعلم بعدها أنهم استقبلوا أحد التلاميذ الذي حصل على واسطة من أحد الكبار في البلد كما هي العادة دوما....
أضيفي إلى كل ذلك الوضع الإقتصادي الصعب الذي نعيشه،في السابق لم أكن أكترث لأننا كنا نعيش في بحبوحة والحمد لله،لكن «زمن الأول تحول» نتيجة الأوضاع الصعبة،خصوصا وأن المعيشة لا تقتصر على دفع تكاليف العلاج فقط،فهناك المعيشة وفواتير الماء والكهرباء والهاتف،صدقيني أمور كثيرة استغنينا عنها لكن إلى متى؟
أنا أعلم أن صرختي اليوم لن تقدم ولن تؤخر في ظل دولة نسيت شعبها منذ زمن طويل، لكن أردت ان أشارك وجعي مع الناس الذين ربما هم أيضا يعانون نفس الوجع وما أكثرهم،كي أقول أنه آن الأوان لنطلق الصرخة تلو الصرخة لنغير الواقع الذي نعيشه، فالأمل دوما موجود ولولاه لما تمكنا أن نستيقظ كل يوم.
هذه الصرخة ما هي إلا بعض من فيض،فإلى متى الإستهتار بحياة أبنائنا وشعبنا،ألم يحين الوقت كي تستيقظ ضمائركم؟؟؟
سؤال نطرحه علما أننا نعلم إجابته مسبقا، إلا أن إرادتنا ستبقى دوما الأقوى. باختصار، نحن لن نستسلم لأنه لا بد من أن يأتي نهار وننهض فيه من هذا الكابوس المظلم.