تعلو بك أمواج الحياة حيناً.. وتهبط أحياناً، وأنت بين هذا وذاك تحسُّ في بعض الأحايين غارق لا محالة. تعدو في سراديب الخيال بحثاً عن ومضة أمل تركن فيها وإليها نفسك، في قصة توقن من خلالها أنه ما زال في هذه الحياة متّسعٌ لوطنٍ تنعم بالحياة فيه بأمان. إذ انك لو ولجت عالم ابن المقفع في عوالم «كليلة ودمنة» لأذهلتك قصصه التي تنطوي على حكايات وأقاصيص على ألسنة الطير والبهائم؛ التي تمثل الحياة البشرية في نواحيها المختلفة، لما تجده فيها من النزعات والأهواء والتيارات الفكرية والسياسية ما نجده بين البشر.. هكذا تغدو تلك الأقاصيص برموزها وبحكمها ثم إسقاطاتها على واقعك عِبَراً يُستفاد منها. حينها ليس من الغريب أن تثير أحد قصصه في داخلك أفكاراً وتطلّعات؛ وعند تلمّسك جواهر معانيها... تستدرجك مجرياتها إلى واقعك بأزماته التي تعيشها؛ والوطن ومصيره بين مدٍّ وجزر.. وأمل ويأس.. متوقفاً عند قصة «الحمامة المطوقة» التي يرويها بيدبا الفيلسوف لدبشليم الملك.. ومقتضاها: «أنَّه في مكان عند مدينة ماهد، مكان يرتاده الصيادون، حيث نصب هناك صياد شبكة ونَثرَ عليها الحبَّ، فلم يلبث إلاَّ قليلاً حتى مرَّت عليها حمامة يُقال لها المطوقة؛ وكانت سيدة الحمام ومعها حمائم كثيرة، فعميت هي وصاحباتها عن الشرك.. فوقعن على الحبِّ يلتقطنه فعلقن في الشبكة كلهنَّ، فأقبل الصياد فرحاً مسروراً، فجعلت كلُّ جماعة تَتَلَجلَجُ في حبائلها وتلتمس الخلاص لنفسها. قالت المطوقة: لا تتخاذلن في المعالجة ولا تكن نفس إحداكنَّ أهم إليها من نفس صاحبتها؛ وتعاونَّ جميعاً ونطير كطائرٍ واحد.. فينجو بعضنا ببعض. فجمعن أنفسهنَّ ووثبن وثبةً واحدة؛ فقلعن الشبكة جميعهنَّ بتعاونهنَّ، وعَلون بها في الجوّ [...] واستشفافات ربما لا ندري من وضع لهذا الوطن الشباك... ولكن، وأملٌ يحدوك, لمَ لا تكن تلك الحمامات من يمثّل أصحاب القرار في هذا الوطن... ويكونون عندما يدلهم الخطب فيه ويصبح الوطن بمقوماته آيلاً للسقوط.. لا تكن نفس أحدهم.. أحد الذين وضع المواطن مصيره في يده, أهمُّ إليه من نفس صاحبه المؤتمن معه أيضاً على سلامة هذا الوطن.. فيتعاونون جميعاً، ويحلّقون بمستقبل الوطن عالياً.. فينجو البعض بالبعض الآخر.. وينجو المواطن والوطن..
ضحى الخطيب