بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 حزيران 2025 12:00ص تشجّعوا، ولكن!...

حجم الخط
في هدي شعر المتنبي، ينبغي أن يجتمع لدى الأمم الراقية، الرأي والشجاعة، فتبلغ النفوس «من العلياء كل مكان»!
الشجاعة, المطلوبة اليوم عندنا، صفة عالية ترفع صاحبها وتحيطه بهالة وضّاءة من القدر والإعجاب، لا سيما إذا كان متحلّيا بالشجاعة الوطنية، التي تدفعه إلى خدمة أمته, خدمة صادقة فعّالة، تعود على مواطنيه بالخير والسعادة.
يتحلّى الشجاع بإرادة قوية، تبعده عن التردّد، وتلهمه أن يقدم على عظائم الأمور. الشجاعة فضيلة تتّسم بها القلوب الكبيرة، والنفوس الحرّة الأبيّة، التي تناهض الظلم، وتهبّ لنصرة الحق والعدالة والفضائل الإنسانية الجليلة.
في الشجاع عناصر العزّة والبسالة والاندفاع في سبيل وطنه والإنسان، في تفانٍ وتضحية. ولكن الشجاعة تحتاج إلى تفكير وحزم وتقدير الأمور حق قدرها. فان هجوم جندي أعزل على أعدائه المدججين بالسلاح، أو المحصّنين خلف المتاريس والمحميين بأحدث التكنولوجيات، أو إلقاء أحدهم بنفسه من علو شاهق من غير أن يخشى الموت، أو إقدام آخر على طعن نفسه بسكين ليثبت للناس انه لا يتمسّك بالحياة، ان أعمالاً كهذه لا تُعدّ شجاعة، ولكنها تُعدّ جهلا وحماقة وانتحارا. فالروح وديعة غالية، ومن الجنون أن تبذل رخيصة في مواقف بعيدة عن البطولة والفداء!!!
الشجاعة أولا هي أن يصرّح الإنسان بما يعتقده صوابا ولو في حضرة سلطان غاشم، وألا يتغاضى عن هضم حق، أو يخاف غضب رئيسه، إذا كان على سداد ورشاد. أما أن يسكت المظلوم أمام ظالمه خشية إغضابه، أو يمتنع بعض الطلاب عن دخول قاعة الامتحان خوفا من رسوبهم، أو يبتعد آخرون عن مجتمعهم هربا من المسؤولية، فان هذا عنوان الجبن والخور والخمول.
الشجاعة لا تتطلّب إقداما مع عجز، ولا إحجاما مع قوة، ولا تكلّف نفسا إلّا وسعها، ولا تدعو للاضطلاع بأعباء الواجب، إلّا العقلاء المؤمنين بقدسية الواجب. أما الخاملون الكسالى أو العملاء والمرتزقة، فإنها تزدريهم وتتركهم في زوايا الإهمال يقبعون رغم بعض الأضواء الباهرة.
تتجلّى الشجاعة بأروع مظاهرها، في الصمود أمام المتاعب، والصبر على الفواجع والارزاء. الإنسان الشجاع يدافع عن الحق ويذود عن وطنه ويطالب بما هو نافع لأمته وللإنسانية جمعاء ومناهضة أولئك الذين يعتدون على المستضعفين ويسلبون أموال السذج ويغررون بالآمنين المطمئنين من الناس.
فلنتحلّ بهذه الشجاعة الهادئة الهادية أولا، لعلّنا نبلغ أخيرا شاطئ الأمان.

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه