بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 حزيران 2025 12:00ص كلوني يُكافيء أصدقاء بداياته بـ ١٤ مليون دولار.. مَن هو النجم العربي الذي قد يفعلُها؟

حجم الخط
نظريتي الشخصية تقول إنّ نجوم الفن الكبار يتحوّلون أشخاصاً يحملون ذاكرة بطابِقَين: «الطابق الأرضي» لِمَا قبل النجومية، وفيه الذين يساعدونهم في بداياتهم ويرشدونهم إلى الصحّ ويواكبونهم بمحبة، ولهم عليهم فضل ثابت. و«الطابق الأول» لِمَا بعد النجومية حيثُ يصبح هؤلاء كباراً ومُحترَمين أينما يذهبون ويتهافت الآخَرون عليهم، ويدلّلونهم فينسون البدايات الصعبة والمعاناة التي احتاجوا فيها داعِمين مخلصين صادقين وعارفين بالحياة الفنية، لا بل أحياناً يكرهون هؤلاء أو بعضهم لأنهم يذكّرونهم بأيام كانوا فيها يتوسّلون الأشياء ويرجون حصولهم عليها، فيحاول «الطابق الأول» في ذاكرةِ مَا بعد النجومية أن يمحو الأشخاص المساعدين في «الطابق الأرضي» حيث ما قبل النجومية، كونه يُعرّيهم على حقيقتهم (وربّما يزعجهم!) بالمراحل التي كانوا فيها ضِعافاً مبتدئين بحاجة إلى دعم، ويفتشون بالسراج والفتيل عمن يقودهم إلى بشائر نجاح.. بينما هم «الآن» في غنىً عن أي شيء من ذلك! أقول هذا الكلام وأنا بتجربتي الصحافية أعرف أن ثمة نجوماً مشاهير جداً يكرهون، تصوّروا يكرهون، ذكر أسماء مُدرّبيهم الأوائل، والفنانين الذين قدّموا لهم أعمالاً طيّرت شهرتهم زمنَ البدايات، أو في أقل الاحتمالات يسلبونهم دورهم الريادي في التجارب، وينسِبون كل نجاح من البداية إلى النهاية لهم، لأنفسهم، لا لأحد!
.. حتى قرأتُ اليوم أن الممثل العالمي جورج كلوني جمَعَ أربعة عشَر شخصاً من الذين أسهموا في شهرته من البدايات، وكبّروهُ ومنحوه الرأي الصائب والفُرص الذكية، وقدّم لكل واحد منهم مبلغ مليون دولار عرفاناً بالجميل، وتقديراً لما فعلوه في موهبته وحياته!
قد يكون كلوني أول نجم عالمي ينظر إلى ورائه، إلى ماضيه، ويلقي التحية المعنوية والمادية على من شارك في صناعته كممثل رائد، وبذلك يكون أول نجم عالمي يقوم بهذه الخطوة الأخلاقية الرفيعة مهنيّاً واجتماعياُ، ليكون أولَ حاملِ ذاكرةٍ تَصَالَحَ فيها «طابق» ما قبل النجومية، مع «طابق» ما بعدها.
لم يكن الأمر دعاية أو مزحة، بل هو تقدير لسنوات الصداقة والدعم التي قدموها له قبل أن تلمع نجوميته... قال الإعلام. أما كلوني نفسه فشرَح المسألة بذكاء وصفاء نيّةٍ ومحبة وقال: «أردت أن أردّ لهم الجميل وهم على قيد الحياة، كما وقفوا بجانبي عندما كنت لا أملك شيئاً».
لا شكّ في أن قرار كلوني هذا، ليس وليد لحظة كاشفة في النفس فحسب، بل دليل على أن الفكرة خطرَت له، فأعجب بها، فدرسَها، فأمعن بها درساً، تحديداً في كيفية الوفاء وتطبيقاته. والشقّ المادي في العملية هو الذي جعلَ الفارق كبيراً بين أن يقيم النجم احتفالاً ضخماً شاكراً أولئك كلاماً في كلام، وبين أن يفتح ثروته الضخمة ليقتطع شيئاً يسيراً، أو كبيراً منها ويقدّمه لهؤلاء. والصورة التي جمعَت كلوني بهم أظهرت أعمارهم المتفاوتة بين مُخضرَم وكهل وشاب، بمعنى أنه يحاول ألا ينسى أحداً ممن قدّموا له أياديَ بيضاء، من مطلع حياته الفنية إلى اليوم بلا استثناء.
والاستثناء، في هذه الحالات ينبغي الاهتمام به أكثر. كيف؟ داخل كل نجم هناك أشخاص لا ينساهم فعلياً، لكن ظروف الحياة وطلعاتها ونزلاتها قد تكون أبعدتهم عنه، أو قد يكون نشأ جفاء لسبب ما بينه وبينهم، وعند محاسبة الذات بميزان الأخلاق والدقة وردّ الجميل، لا بدّ من الرجوع إليهم. وهنا قيمة الموضوع كلّه، أن الأشخاص الذين قد تكون الحياة أخَذَتهم في اتجاهات أخرى، يستعيدهم النجم من دون حساسيات بِعاد أو خلاف سابق أو تَردُّد. فالمصالحة مع الذاكرة تستدعي تصفير المشاكل مع الماضي.

فمن سيكون أول نجم عربي يتّبع الخطوة؟

قبل أن يتساءل أحدٌ ما إذا كان نجوم الفن في العالم العربي لديهم تلك المبالغ المالية العالية التي يستطيعون من خلالها تكريم داعميهم في المسيرة الفنية، يأتي الجواب بأن الثراء الفاحش بين الكثير من نجوم الغناء والتمثيل في العالم العربي، موجود ومنتشر، وإذا قرروا أن يكونوا أوفياء للمنطق مع تجربتهم بأولها المرتبك وأوسطها الإحترافي وآخِرها الضخم، ورغبوا في مماشاة فكرة العرفان، لن يكون ما يخصّصونه لأولئك الأصدقاء، إلّا على قدر التحمّل وليس فوق الطاقة طبعاً. لكنْ ماذا عن نجوم يمتلكون تلك الثروات ولا يرغبون في الاعتراف بها حرصاً من الحسد أو الإصابة بالعَين أو... طبيعة البخل الشديد الذي يتمتعون به كواحدة من «إنجازات» النفس الأمّارة بالسّوء؟!
خطوة جورج كلوني غير مسبوقة في تاريخ الفنون والفنانين، لكنها قد تصبح قاعدة مُحتَرَمة في العالَم، ذلك أن عودة النجم الكبير إلى مطالع حياته الفنية، واستذكار المؤثرين في تجربته، والوفاء المعنوي زائداً المادي لهم، هي برهان على الأريحيّة الإنسانية أولاً وأخيراً.