جدعون ليفي
عندما يصبح الليل نهاراً، يمكن حتى للمدعية العسكرية العامة أن تتحول إلى قديسة، قاتلت من أجل صون القانون وحقوق الإنسان إلى أن أُحرقت على المذبح، ضحية بريئة لليمين الشرير. عندما يصبح الليل نهاراً، لا تُقال المدعية من منصبها إلّا حين لا تخون وظيفتها وتتخذ خطوة شجاعة للمرة الأولى (والأخيرة) في مسيرتها المهنية.
إن الوحش الذي لا يعرف الشبع لا يمكن إشباعه: أيتها العميدة، كوني المدافِعة عن الإبادة الجماعية، وغطي على كل الجرائم، واطمسي كل التحقيقات، واغسلي جرائم جنود الجيش الإسرائيلي واطلبي رضا قادتك، فعند أول زلّة، سيحاسبك هذا الوحش. أيتها العميدة، هل كان يستحق الأمر أن تخدمي جيش الجريمة بهذه العبودية، بينما كان مصيرك بهذا البؤس؟ ألم يكن من الأجدر بك أن تؤدي واجبك، وأن ترفعي صوتك بشجاعة ونزاهة، وأن تُقالي، على الأقل بشرف؟ لقد أكلتِ السمك الفاسد وطُردتِ من المدينة. هل كان ذلك يستحق؟
لسنوات، جلستِ على مقاعد القضاء العسكري، الذي لا علاقة له بما تعلمتِ في الجامعات. كنتِ مدعية وقاضية، وزججتِ بآلاف البشر في السجون من دون محاكمة حقيقية. منعتِ أي تحقيق في آلاف الجرائم التي ارتكبها الجنود ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة. فكلّ حالة طفل أُطلق عليه الرصاص حتى الموت من دون سبب، أو جندي تعذب بيده معتقل، نالت الدعم القانوني منكِ، ومن المنظومة التي ترأسينها. في تلك المنظومة، لا يوجد جنود يرتكبون جرائم، حتى بعد فظائع غزة.
لقد شاركتِ في أكثر المسرحيات انحطاطاً، منظومة القضاء العسكري، حيث يكفي أن يكون الإنسان فلسطينياً ليُدان، في محكمة الفصل العنصري التي لا يملك فيها المتهم أيّ حقوق، ولا تُصدر أحكام براءة، بل هي مجرد ديكور رخيص لجهاز قضائي. هكذا صعدتِ في سلّم الرتب، وأصبحتِ المدعية العسكرية العامة، وهذا كله لتبييض جرائم الجيش الذي خدمتِ فيه. لا توجد مؤسسة قانونية جادة في العالم يمكن أن تبيّض جرائم الجيش في غزة والضفة، لكنكِ، أيتها العميدة، فعلتِ ذلك ببهجة. كنتِ مدعية الإبادة الجماعية، وعند صدور الأوامر، سيتذكرونكِ بذلك، والآن، يردّ لكِ النظام الجزاء بمثله: يُلقى بكِ خارج منصبك لأسباب هي من أكثر الأسباب خطأً في العالم.
تصعب معرفة ما الذي دفع يفعات تومر يروشالمي فجأة إلى الخروج عن الدور المرسوم لها، والاشمئزاز من الفيديو الذي ظهر فيه سجّانون عسكريون ساديون، لا «مقاتلون»، حسبما اعتادوا تسميتهم، يعذبون معتقلاً فلسطينياً أعزل بهذه الوحشية. ووفق لائحة الاتهام، فإن هؤلاء الخمسة من أوغاد البشر طعنوا ضحيتهم في فتحة الشرج ومزقوها، وكسروا أضلاعه، وثقبوا إحدى رئتيه.
كان من المهم أن يرى الإسرائيليون ما الذي يفعله جنودهم، وخصوصاً في أجواء «كل شيء مسموح»، التي تسود الجيش منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. فجأة، منحت العميدة لحظة صدق واحدة للنقاش العام. لقد أدركت أن فرصة إدانة أفراد وحدة «القوة 100» في المناخ العام الحالي معدومة تقريباً، ولهذا، سمحت بنشر الفيديو، وهو الفعل الوحيد الذي تستحق عليه وسام شجاعة.
عادةً، هذا ما يحدث في سجون الجيش، لكن هذه المرة، أصابها الذهول. ألم تسمعي عن الثمانين معتقلاً الذين ماتوا في السجون، بعضهم على أيدي جنود الجيش؟ ماذا فعلتِ بشأنهم؟ وماذا فعلتِ بشأن الجندي الذي أطلق النار قبل أسبوعين على طفل في التاسعة من عمره في قرية الريحية وقتله؟ قال الناطق بلسان الجيش إن القضية أُحيلت إلى «فحص النيابة العسكرية». سيستمر هذا الفحص أعواماً، وماذا سيفعلون به؟ فحقيقة أنه ما زال طليقاً هي الجواب.
عندما يصبح الليل نهاراً، يتحول المتهمون الخمسة بالتعذيب في قاعدة «سديه تيمان» إلى ضحايا، والعفو في الطريق إليهم، ومَن غرزت السكين في شرجهم هي المدعية العسكرية نفسها. يسرائيل كاتس يلهث حقداً وانتقاماً، كم يحب إقالة الضباط الكبار، وكم تسكره نشوة القوة، والجميع، بمن فيهم بعض المعتدلين، يقررون أن فعل التسريب كان «خطِراً جداً». تلك هي الجريمة، وتلك هي الفاعلة. فقط لا تجعلوا منها قديسةً معذبة.
المصدر: هآرتس
اعداد: مؤسسة الدراسات الفلسطينية